أذرع الجماعة لا تكل من التكاثر ولا تمل من التعدد. وهي لا تفنى وإن قطعت ذيولها، ولنا في الوزغ أو أبو بريص (البرص في العامية المصرية) عبرة. فنظرية الانشطار الذاتي التي يبلورها البرص، عبر فقدان ذيله دفاعاً عن نفسه مفضلاً البقاء على قيد الحياة من دون ذيل موقتاً على الموت على جبهة القتال، تتبعها الجماعة، مفضلة بتر أجزاء منها في سبيل البقاء على قيد الحياة أملاً في انقضاضة جديدة وهجمة ثورية عتيدة ولو بعد حين. وبين كل مبادرة ومحاولة، يستيقظ المصريون على مصالحة. وبين كل نفي «إخواني» ورفض تنظيمي، يفاجأ المصريون بتأكيد ينفي أن الجماعة تتقدم بمصالحة، ولكنها قد تفكر في دراسة مبادرة تهدف جمع الصف، وتعيد وتؤكد أنه لا مصالحة مع من قتل الأحرار واعتدى على الحرائر، لكن يبقى باب التوبة مفتوحاً. إنها أذرع الجماعة تعاود الانشطار الذاتي والتفتت الآني، فمن ذراع حزبية وأخرى رئاسية، ومنهما إلى ذراع تظاهرية وثانية تفجيرية، ومعهما ذراع ثورية ورابعة تفخيخية، وبمعنى آخر ذراع جهادية وذراع تكفيرية، تهل على المصريين أحدث ذراع «إخوانية»، ألا وهي ذراع طرح المصالحات واقتراح المبادرات ومعها ذراع النفي، الذي يستخدم من أجل تبييض وجه «الإخوان» الشرعي وتلميع واجهة التنظيم الدولي والحفاظ على مانيفستو الشباب الثوري، حيث لا مصالحة مع كل من قتل وسحل الراكعين والساجدين. لكن الراكعين والساجدين من قواعد الجماعة الخاضعين لكوادرها فكرياً، وبيانات تحالفاتها فعلياً لا يتوقفون كثيراً عند مبادرات مطروحة هنا أو مصالحات مقترحة هناك، فالمهام الموكلة إليهم ليست من فصيلة الفكر أو الإبداع أو الاقتراح، بل تقتصر على التنفيذ وتقف عند حدود التفعيل. تفعيل حزمة المبادرات والمصالحات التي ظهرت فجأة من دون سابق إنذار عبر أذرع عدة، دخل مطبخ الإعداد والتجهيز، حيث تنشط بقية الأذرع، الكلاسيكية منها والحداثية، فمن ذراع تنتهج منهج «لا تراجع ولا استسلام» وسط طبل وزمر القواعد الشابة ممن تمكنت منها عقيدة الجهاد وطغت عليها فكرة الشرعية، إلى ذراع تتحدث باللغة الرمادية حيث الحفاظ على وحدة الوطن وحماية لحمة البلد، عبر الاعتراف بأن الجميع أخطأ، لكن الخطأ الأكبر هو خطأ الانقلاب، ما يعني أن «الثقل صنعة»، أي تلويح براية المصالحة تارة ومشروطية القصاص تارة. لكن الغلبة ما زالت لتيارات الصمود والتحدي، ونبرات الدحر والكسر والإعدام والقتل لكل من شارك في عزل مرسي، وهي الغلبة التي لابد من الحفاظ عليها لإبقاء «عماد الثورة الإخوانية» من الشباب وحرائرها من الفتيات على جمر الجهاد وصفيح الشرعية الساخن المغلف بشريعة مزينة بقليل من الروح الثورية الآخذة في الاندثار وكثير من الروح الدينية المعرضة للانطفاء. البيان الرقم 178 الصادر عن «التحالف الوطني لدعم الشرعية وكسر الانقلاب» سائر على نهجه التصعيدي التأجيجي التسخيني، حيث دعوة إلى «تطوير الحراك الثوري اليومي» مع «التمسك بالمقاومة السلمية المبدعة» والصيام يوم الخميس «لمشاركة المعتقلين إضرابهم» (على رغم أنهم يبدون في صحة جيدة جداً لا تتناسب وفكرة الامتناع عن الطعام) «مع تكثيف فعاليات التقرب إلى الله». ويتمسك التحالف، الذراع التأجيجية لقواعد الجماعة، بدعوته الأسبوعية إلى «مليونيات مهيبة» تستهل «أسبوعاً ثورياً» رهيباً تحت عنوان «الشعب يكمل ثورته». وإلى أن يكمل شعب «الإخوان» ثورته، تعمل الأذرع المنشطرة ذاتياً لطرح مبادرة هنا واقتراح مصالحة هناك لترد عليها بقية الأذرع، المكلفة إما بصب اللعنات على فكرة المصالحة أو التلويح بالإيماء بتحفظ أو الإشارة بالموافقة بشروط. مقال أستاذ العلوم السياسية سيف الدين عبدالفتاح القريب من الجماعة في جريدة «الشروق» يتناول «وطن للجميع ومن الجميع وبالجميع»، ومبادرة الكاتب الصحافي جمال سلطان (شقيق القيادي في حزب «الوسط» الإسلامي عصام سلطان المحبوس على ذمة قضايا عدة) تقترح أن يفوض محمد مرسي المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد والإشراف على انتخابات رئاسية مبكرة خلال المدة التي حددها الدستور المعدل، مع البحث عن صيغة قانونية لتسوية القضايا التي يحاكم فيها مرسي، وذلك ضمن حزمة من اقتراحات المصالحة، التي وصفتها أحدى أذرع الجماعة ب «المحاولة الاستخباراتية المشبوهة». ومن شبهة المبادرة إلى فكرة المصالحة التي طرحها أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة، التي تشمل تشكيل لجنة حكماء ولجنة تقصي حقائق وعمل هدنة تتوقف خلالها التظاهرات والتركيز على المفاوضات، مع السماح لكل التيارات مهما كانت مرجعيتها بأن تشكل أحزاباً وتمارس العمل السياسي. هذه المرة لم تسارع ذراع المعارضة إلى شجب الفكرة، ولم تخرج ذراع اللجان الإلكترونية لتشويه الرجل وتسفيه المبادرة، بل غردت الناشطة اليمنية توكل كرمان مؤكدة أن مبادرة نافعة «تنقذ مصر». أذرع الجماعة أشبه بالمجسات، ويجري حالياً جس نبض الحكم في شأن مصالحة تأتي متلحفة بشعار «يتمنَّعْنَ وهن راغبات»، وقياس رد فعل الشارع مع اعتناق مبدأ «حسنة وأنا سيدك»، مع الاستمرار في عمل أذرع التأجيج والحفاظ على قواعد الجماعة ملتهبة عبر جمعة مهيبة وثورة رهيبة إلى حين التوصل إلى مبادرة حثيثة أو مصالحة صريحة تبقى على جسد «الإخوان» حياً حتى وإن انقطع ذيله أسوة ب «أبو بريص».