في ما يشبه تحدي قرار الحكومة تشديد رقابتها على المواقع الإلكترونية، شهدت الشبكة العنكبوتية سيلاً من تسجيلات سرية مسرّبة دفعة واحدة، قلبت مزاج الشارع التركي وأحرجت أسماء بارزة، من صحافيين ورجال أعمال، إضافة إلى الحكومة ورئيسها رجب طيب أردوغان، من تسجيل لأردوغان يأمر فيه بحجب خبر في وسائل الإعلام عن تصريحات للمعارضة في شأن احتجاجات حديقة «غازي» الصيف الماضي، إلى تسجيلات لمكالمات بين رجال أعمال يجمعون أموالاً بأمر من رئيس الوزراء من أجل شراء مجموعة «صباح» الإعلامية عام 2006، إلى تسجيل لصحافي شهير يعرض على أردوغان تغيير نتائج استطلاع رأي حول شعبية الأحزاب السياسية لمصلحة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم على حساب «حزب السلام والديموقراطية» الكردي. وفيما تحوّلت هذه التسجيلات مادة سجال دسمة بين الحكومة والمعارضة في البرلمان، كان بارزاً أن أحداً لم يشكّك في صدقيتها ولم ينفِ ما ورد فيها، بل إن رئيس تحرير شبكة «خبر ترك» فاتح ألطايلي، المُتهم بتزوير نتائج استطلاع الرأي، أصدر بياناً اعتبر أن التسجيل «منقوص» وأن الحقيقة ليست كما يعرضها، من دون أن يشكّك في حقيقة المكالمة المُسجلة والجمل الواردة فيها. ورأت الحكومة في التسجيلات أبرز دليل على خطورة جماعة الداعية فتح الله غولن وضرورة التخلص منها، إذ اتهمتها بتسجيل المكالمات سراً ومن دون إذن قانوني طيلة سنوات. وشغلت هذه التسجيلات الرأي العام، لدرجة أنها غطّت تقريباً على تسجيل آخر سرّبه «حزب العمال الكردستاني» المحظور لأولى جلسات التحقيق السرية مع زعيمه عبدالله أوجلان بعد أيام على اعتقاله عام 1999، ويقدّم خلالها عرضاً سخياً للتعاون مع الحكومة لتسوية القضية الكردية، مستخدماً نفوذه على حزبه. وفي إطار الحرب المستعرة بين أردوغان وجماعة غولن، قدّم نائب تاسع استقالته من الحزب الحاكم، وقال النائب إلهان إشبيلان إنه كان ينتظر أن يؤدي دوراً لمصالحة الطرفين، لكنه اكتشف أن لا مجال لذلك. وشنّ هجوماً لاذعاً على أردوغان ومقرّبين منه، متهماً الحزب الحاكم بزرع جهاز تنصت في منزله بسبب قربه من غولن. وانتقد إشبيلان حركة طرد ومناقلات طاولت آلافاً من موظفي الدولة، من وزارات وأجهزة الأمن، بحجة انتمائهم إلى جماعة غولن، قائلاً: «هذا ظلم كبير لا يمكن السكوت عنه». في السياق ذاته، أوردت صحيفة «زمان تودايز» المقرّبة من غولن، أن وزارة الداخلية طردت أحد صحافييها، الأذري ماهر زينالوف، على خلفية كتابته تغريدات على موقع «تويتر» تنتقد سياسة أردوغان، كما اتهمه بتعطيل عمل المحققين الذين يكشفون خلايا تنظيم «القاعدة» والتستّر على عمل التنظيم في تركيا. وأشارت الصحيفة إلى أن أردوغان قدّم شكوى ضد زينالوف يطالب فيها بتعويض مالي ضخم، إذ اعتبر أن تغريداته تشكّل «شتائم تحرّض على الحقد والعدوانية». ووَرَدَ في قرار وزارة الداخلية أن زينالوف طُرد بسبب سعيه إلى «إثارة فتنة و(نشره) أخباراً كاذبة، لزعزعة استقرار تركيا».