دعا جيرارد باتن، وهو أحد زعماء حزب «الاستقلال» في المملكة المتحدة ونائب في البرلمان الأوروبي، المسلمين إلى توقيع «مدونة سلوك» تلزمهم نبذ العنف. وطالب ب «تحديث بعض النصوص القرآنية التي تدعو إلى قتل اليهود»، وقال إن أوروبا ارتكبت خطأً كبيراً عندما «سمحت بهذا الانتشار الكبير للمساجد على أراضيها» («ذي غارديان» - 5- 1- 2014). تصريحات عنصرية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة لزعماء اليمين الأوروبي الذين لا يزالون وكأنهم يعيشون في القرن التاسع عشر وما قبله، أي في عز السيطرة الاستعمارية على العالم الثالث، حين كان عدد المسلمين أو الملونين في القارة القديمة لا يتجاوز الآلاف، معظمهم استُقدم لخدمة الرجل الأبيض. وهذه العنصرية لا تقتصر على اليمين وحده، وإن كانت أحزابه الأكثر وقاحة وجهراً بها، فالاشتراكيون الحاكمون في فرنسا كانوا الأكثر حماسة، من موقع عنصري، لتدمير ليبيا، والأشد إصراراً على ضرب سورية، وما زالوا يدعون إلى دعم الجماعات المتطرفة في الإقليم لتغيير الأنظمة بالقوة، ويرفضون انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لأنها دولة مسلمة، وإن كانت حججهم في الرفض لا تذهب هذا المذهب. أما الولاياتالمتحدة، فعنصريتها لا تقتصر على النيل من المسلمين، بل تتعداهم إلى المسيحيين الأميركيين السود، على رغم وصول أوباما إلى البيت الأبيض. ولا ننسى الحملة العنصرية التي قادها جورج بوش الابن ضد الإسلام والمسلمين بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وادعاءاته المتكررة بأنه يشن حروبه المقدسة بوحي من الغيب. وضغوطه المستمرة على دول عربية لتغيير مناهجها الدراسية، والامتناع عن تضمينها آيات معينة من القرآن تتناول اليهود. ودعا إلى «حرب ثقافية» في موازاة الحرب العسكرية، لتغيير المفاهيم العربية والإسلامية. باتن الذي ينتمي إلى حزب بريطاني لم يسمع به معظم البريطانيين، يشكل والأحزاب اليمينية الأخرى في القارة، تقدماً ملحوظاً في الانتخابات الأوروبية، ما يوحي بأن العنصرية تنتقل من الدولة- الأمة إلى المؤسسة التي ترمز إلى وحدة أوروبا. وفي هذا الإطار، ينبه زعيم كتلة الخضر في البرلمان الأوروبي النائب دانييل كوهين بانديت (كان زعيم الثورة الطلابية في فرنسا عام 1968 )، إلى أن الدول الأوروبية تفقد ديموقراطيتها في «الاتحاد». أما الهوية الأوروبية فهي في طور البناء، وليست واقعاً قائماً («لوموند»- 3 - 2- 2013 ). هي في طور البناء وتخوض صراعاً عنيفاً مع العنصريين الذين لا يقبلون الآخرين، تماماً مثلهم مثل الإسلاميين، الذين يخوضون حروباً طائفية لإلغاء كل من يخالفهم، ويبحثون عن هوية في أمة صافية ليس فيها دين أو طائفة أخرى غير طائفتهم، أو هم مثل «حزب التحرير»، الذي يريد إقامة الخلافة في لندن أو باريس أو برلين. وعنصرية اليمين الأوروبي تصل إلى أبشع صورها وغبائها عندما تطالب بإلغاء آيات قرآنية يعتبرها معادية لليهود أو تحرض على الجهاد والعنف، أو تجديدها، أو حتى تحويرها، مثلما يطالب باتن، الذي يعتبر المسلمين الأوروبيين من الجيل الثاني والثالث إرهابيين، ويطالبهم بتوقيع مدونة سلوك. وبطبيعة الحال لا يجرؤ على المطالبة بإلغاء «سفر التثنية» الذي يدعو إلى قتل كل شيخ أو صبي أو حيوان وقطع كل شجرة مثمرة في «بلاد كنعان»، ولا على انتقاد إسرائيل خوفاً من اتهامه باللاسامية، وهي تهمة تجرّم صاحبها في كل القوانين الأوروبية. المسلمون الهاربون من جحيم بلدانهم إلى أوروبا قد يجدون أنفسهم عرضة للإذلال أكثر إذا حكم اليمين المتطرف. في ظل حكمه لن تعود أوروبا تنظر إلى المواطن كونه إنساناً مسؤولاً عن أفعاله وسلوكه، وهذا هو جوهر الديموقراطية، بل سيصبح مجرد فرد في قطيع يتحمل وزر ماضي هذا القطيع وحاضره. تماماً مثلما ينظر «داعش» وإخوانه إلى المسلمين وغير المسلمين. العنصرية أنواع، بعضها حديث وبعضها متخلف، لكنها كلها قاتلة.