قبل أسبوع أو نحوه، وفي يوم واحد، كانت هناك ثلاثة أخبار من ثلاث قارات لا يبدو أن هناك رابطاً بين أحدها والآخر. «في واشنطن قتل متطرف عنصري حارساً في متحف المحرقة القريب من البيت الأبيض، وحاول قتل آخرين، إلا أن الحراس أطلقوا الرصاص أولاً وأصيب جيمس فون برون في وجهه. في مدينة الناصرية في جنوب العراق أسفر تفجير ارهابي عن مقتل حوالى 35 شخصاً بينهم نساء وأطفال. في لندن رُشِق زعيم الحزب الوطني البريطاني نِك غريفين بالبيض وهو في طريقه الى ساحة البرلمان للاحتفال بأداء حزبه الفاشستي في الانتخابات الأوروبية حيث فاز بمقعدين. منذ العاشر من هذا الشهر وأنا أفكر في ما يجمع بين عنصري في أميركا وإرهابي في العراق وفاشستي في لندن ولا أجد شيئاً مشتركاً سوى الكره أو التطرف. لن أدخل في متاهة نفسية، وهل يولد الإنسان متطرفاً، أو يكتسب التطرف من المجتمع حوله، فهناك علماء نفس مؤهلون للحديث عن الموضوع أكثر مني. وأختار أن أبقى مع ما أعرف. في اليوم نفسه، العاشر من هذا الشهر، كتب مايكل غيرسون في «واشنطن بوست» مقالاً عنوانه «وضوح مع المنكرين»، امتدح فيه الرئيس أوباما الذي كان يلقي خطاباً موجهاً الى المسلمين ويريد بداية جديدة معهم، ولكن من دون أن يهمل المحرقة، فقال ان إنكارها «لا أساس له» و «جهل» و «كره». بعد يومين كتب غيرسون مقالاً آخر في الجريدة نفسها عنوانه «لماذا اليهود؟» تحدث فيه عن اللاسامية، وعن ردود على مقاله الأول نسبت الى اليهود كل مصيبة في العالم، وعاد الى إنكار المحرقة، وقال إن أسباب اللاسامية ضد اليهود كثيرة. ليست لي مشكلة مع غيرسون فهو كاتب معتدل، وليست لي مشكلة مع المحرقة، وانما مع الذين ينكرونها أمثال ديفيد ارفنغ وأحمدي نجاد، وقد هاجمتهما مرة بعد مرة. مع ذلك عندي ملاحظة للكاتب، فهو عندما تحدث عن انكار المحرقة ذكر اسرائيل بالاسم عشر مرات، فالمحرقة في رأيه تبرر قيام اسرائيل، أو أن إنكارها يعني أن لا سبب لقيام اسرائيل، وهذا من دون أن يقول إن الفلسطينيين دفعوا ثمن جريمة ارتكبها الغرب المسيحي، وسرق اليهود أرضهم باعتراف بن غوريون نفسه. في المقال الثاني ورد اسم اسرائيل مرة واحدة فقط في معرض اتهامها بارتكاب محرقة ضد الفلسطينيين، ومن دون أن يرد الكاتب على سؤاله «لماذا اليهود؟» ولو مرة واحدة بالقول ان السبب اسرائيل. الأسباب في الشرق والغرب هي الكره واللاسامية والعنصرية والشوفينية وما شاء الكاتب أو القارئ، ولعل بعضاً منها موجود في بلادنا غير أن السبب الأهم جداً، حتى لا أقول الوحيد، هو قيام اسرائيل في أراضي الفلسطينيين وجرائم الاحتلال المستمر، فهو الذي أدى الى قيام حماس وحزب الله، وكل هذا مع وجود عصابة شر وحرب ليكودية في أميركا تدافع عن الاحتلال وتنسب جرائمه الى ضحاياه وتهاجم الإسلام والمسلمين. غيرسون كاتب أميركي يهودي يرصد اللاسامية والأذى الناجم عنها، وأنا أرصد الفريق الآخر، فقبل أن يتحدث غيرسون عن خطاب أوباما بيومين كان ارون كلاين يكتب في موقع ليكودي عن الخطاب نفسه تحت العنوان «خطاب أوباما نقل آية عن الجهاد من القرآن: خطابه للمسلمين استعمل نصاً اسلامياً يحث على الحرب ضد غير المؤمنين». وفي النص أن أوباما كان ينقل عن الآية 119 في الفصل التاسع، أي سورة التوبة. الآية تقول ببساطة «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين»، إلا أن أوباما لم يستشهد بها، وانما بجزء من الآية التاسعة في سورة النساء «فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً» وهي والآيتان قبلها وبعدها تتحدث عن أولي القربى واليتامى والمساكين، وعن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً وجزاؤهم النار. وهل يمكن أن كلاين أخطأ وهو يستعين بإمام مسجد في غزة لشرح النص؟ ثمة آيات في القرآن تحث على قتال الكفار كما في أديان أخرى، وكل ما أقول هنا ان هناك دعاة ليكوديين على مواقع الكترونية يكتبون كل يوم مهاجمين الإسلام والمسلمين، ولا بد من ان غيرسون يعرف عنهم مثلي أو أكثر، مع ان المقارنة بين التوراة والقرآن هي مثل المقارنة بين الاحتلال الإسرائيلي وضحاياه. ماذا كان اليهود سيقولون لو أن مسلماً طلع بكتاب عنوانه «الصهيونازية الإسرائيلية» عن اليهودية الفاشستية أو النازيين الجدد في اسرائيل، كما فعل نورمان بودهورتز (زوج ميدج دكتر وصهر ايليوت ابرامز) في كتابه «الحرب العالمية الرابعة: دروس في الكفاح ضد الإسلام الفاشستي»؟ لا أسأل لأسمع جواباً ولكن أقول إن كثيراً من اللاسامية وإنكار المحرقة في منطقتنا سينتهي بمجرد انتهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية.