كان كتاب «ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب» للشاعر محمد بنيس صدر في طبعته الأولى عام 1979 عن دار العودة في بيروت. وعلى رغم العناية بإصداره في طبعة مجلدة وأنيقة حينذاك، فقد جاءت الطبعة موسومةً ببعض الأخطاء التقنية، التي لم تحل دون الصدَى الإيجابي الذي وجَده الكتاب في العالم العربي. ثم قامت كل من دار التنوير والمركز الثقافي العربي بإصدار طبعة ثانية مشتركة من الكتاب عام 1985، اعتمد فيها تصوير الطبعة الأولى. وكان لا بد من انتظار الطبعة الجديدة للكتاب التي تولتها دار توبقال. ويكتب الشاعر بنيس في مقدمة الطبعة الجديدة: «لم أقدم، على إصدار طبعة جديدة. ما كنت قمت به، بين نهاية الثمانينات ومفتتح التسعينات، من نشر عمَلي عن الشعر العربي الحديث، وهو يتبع منهجَ الشعرية النقدية، أبعدني عن إعادة نشر الكتاب. ثم إن لي معه شجوناً، فما نلته بسببه في المغرب لم تشفَ جروحه حتى الآن. ولربما كان من دواعي عدم التفاهم تصريح الدراسة برؤية العالم التي تبلورت في الشعر المغربي المعاصر من خلال «بنية السقوط والانتظار». كانَ المنهج جديداً، مفتوحاً على مفاهيم غير متداولة في الثقافة العربية آنذاك، وبتقديري أن المفاجأة بهذا التصريح كانت طبيعية. لذلك كنت أريد أن أنسى هذا الكتابَ وأتوجه نحو أعمال قادمَة. ولكن المستفيدين منه ظلوا حاضرين، والطلبَ استمر مع السنوات، واستمر الباحثون عنه يتصلون أو يسألون. وهو ما يدفعني لأقول إن الكتابَ ليس في ملكية مؤلفه، بل في ملكية قرائه. وها أنا الآن، بعد أكثر من ثلاثين سنة على صدور الطبعة الأولى، أقدم على إصدار طبعة جديدة. بهيبةٍ أعيد اليوم نشرَ الكتاب، لأن هناك معطياتٍ عديدةً تغيرت كما تغيرت قناعات نظرية ومنهجية. هذه الطبعة الثالثة وفية للأولى في كل الخصائص المعرفية. لم أدخل على منهجها ولا على نصوصها أو صياغتها أيَ تعديل أو تغيير. وما قمت به يبقَى في حدود تنظيفِ الكتاب من أخطائه التقنية، واستدراكِ بعض النواقص المتعلقة أحياناً باضطراب وقصور العبَارة أو تكرار ما لا فَائدة في تكراره».