لا نحتاج في ظل انشغالنا بلوازم المائدة أن نعرف بالشهي بعد الاستواء، والصديق المقرب للجهاز الهضمي - طيب الذكر والأكل - المدعو: تيس، ولعله وطائفته القريبة حد التخمة يحضرون أخيراً وبقوة في مسرحية «المهايط»، حين أخجلتنا الأخبار المحلية في الأيام الفائتة عن دخول «التيس» حمى المزايدات الرائج سوقها، ومحاولته الجادة مشاغبة ومشاكسة شيخة حساباتها البنكية «الناقة». «البَطْرَة» تؤكد أن المال يتمدد في أيدي أنصاف العقول، ويحضر في قالب من السفه، حتى وإن تبادلنا هذه العبارة في ما بيننا نحن المختلفين على هذه المزايدات الحارقة للأعصاب والمتحدثة للعالم المتابع عن خطة بعثرتنا المال، وغسله تحت غطاء تنمية مباحة له، من دون أن نتساءل: لماذا نحن الاستثناء العربي في محاولة تقديم أنفسنا عبر الناقة دوماً وأبداً وفي الآونة الأخيرة من خلال المنافس الضعيف «التيس»؟ قد يتثاقل بعضكم أمر إحضار هذا الطرح الشعبي العابر، وربما يظن أحدكم أن ذلك شأن شخصي لكل هؤلاء المزايدين على الناقة والتيس، ويحدث أن يحسب آخرون حديثاً كهذا يدخل في الفضول تجاه هوايات أناس ينامون ويستيقظون على وجوه هذه الكائنات البريئة، لكن المفصل في السيناريو بالكامل أن ندرس وندقق في الحال العقلية لمن يبيع أو يشتري تيساً بما يزيد على ربع مليون ريال، والأمر ذاته ينطبق على من يبيع ويشتري ناقة بأكثر من عشرة أضعاف مبلغ التيس، ويحزنني تقديمنا لأنفسنا بوصفنا ذائبين حد فقدان القدرة على التحكم في المال وبعثرته في جميع الاتجاهات أمام ناقة وماعز وتيس ونعجة، وهو تقديم مشوه يؤثر في الصورة العامة للمواطن السعودي. عني لا أجد زاوية جمال واحدة في الناقة ولا في ملاحقها في سوق المزايدات «التيس» ولا غيرهما، وللناس في ما يعشقون مذاهب، لكن الفوضى التي تعم المزاين والمزايدات وما يصاحبهما من تسطيح عقلي وتعصب قبلي يجلبان لنا أكبر علامة استفهام لقضية اجتماعية مؤثرة. من أدمن الدخول في هذه المزايدات، ووجدها المنصة المناسبة لعرض بذخه واستيراد وجاهة لم يرزق بها عبر منافذها الفاخرة، ليعْمَد لها من خلال «سنام» أو على شرف «فحل»، سيتردد كثيراً في فعل خيري لأنه بلا عوائد استثمار، وأظل مؤمناً بأن المال الذي يتوافر بين أيدي هؤلاء لم يتوافر عن عناء أو عرق جبين، ومن ثم صح القول إن المال الذي يأتي بسهولة يضيع بسهولة. لا تلوموا أحداً حين يحقد علينا، وبيننا من يفعل العجائب في مزاين الإبل ومسابقات التيوس، العالم المحيط في مجاعة مستمرة ووجع دائم، ونحن نمارس البطر علناً، وننثر الأموال بحجة أن العقل في خانة الاحتياط، لهم أن يحبوا ما يشاؤون من الكائنات الحية غير العاقلة، لكن لا يضعون قيمتها أغلى من قيمة إنسان حي وأعلى من قيمة أنفسهم، ولنا أن نتساءل بشجاعة عن مصدر هذه الأموال، وشرعية المزايدات التي تقوم بها وعليها؟ [email protected] alialqassmi@