ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي نقرأ فيها خبراً يشير إلى بيع "تيس" أو "ماعز" أو حتى "نعجة" بمبلغ يصل إلى (300) ألف ريال أو أكثر من ذلك، ولن تكون المرة الأخيرة التي تسمع فيها أن "ناقة" بيعت ب(10) ملايين ريال أو أكثر، بيد أن المؤلم بحق هو عندما نسمع أن هناك من يصفنا بالسفه ويعدّنا جميعاً -من دون استثناء- أناس لديهم الكثير من المال ليسوا بحاجة له، وليس لديهم الإلمام الجيد بكيفية استثماره على الوجه الصحيح. ومثل هذه التصرفات -دون شك- تعد سفهاً ونوعاً من البطر بالنعمة، ومن هنا نتساءل عن هذه التصرفات، هل تعد من السفه والبطر أم لا؟، وقد نختلف أو نتفق حول هذا، ولكن المؤكد هو أن التبذير مرفوض، كما أن دفع هذه المبالغ في مزاد للإبل أو التيوس هو التبذير بعينه. ويرى عشاق هذه المزادات أنها تجارة وعشق وهواية مثل اقتناء اللوحات الفنية والتحف التي تصل أسعارها في المزادات العالمية إلى ملايين الدولارات، وبالتالي فإنهم يعدون هذه المزادات مقبولة من وجهة نظرهم. الرغبة في اقتناء مزاين الإبل لا تعني المبالغة في السعر إلى أرقام فلكية علامة استفهام وقال "فهد حسين السليماني":"هناك أكثر من علامة استفهام حول هذا الموضوع، وأرى أن ذلك هو نوع من السفه والبذخ والوجاهة، كما أنه يقدمنا أمام العالم كمجتمع يعاني من التخمة المالية التي لا يعرف كيف يستثمرها"، مضيفاً أن ذلك ينسحب أيضاً على بعض الأفراد داخل المجتمعات الخليجية، مشيراً إلى أن ذلك جعل أسعار مزادات "الإبل" و"التيوس" تصل إلى مبالغ لا يصدقها العقل، مؤكداً على أن هذا السلوك قد يؤثر بشكل سلبي على اللحمة الوطنية، ويسبب الغبن والقهر لدى بعض المحتاجين ممن قد يعجز أحدهم عن دفع إيجار شقة يسكن فيها أو بيت صغير يضم أفراد أسرته. وأضاف أنه مما يؤسف له أن بعض من يدفعون هذه المبالغ المالية الكبيرة مقابل شراء هذه "التيوس" أو "الإبل" قد يبخلون في مساعدة الجمعيات الخيرية لرعاية الأيتام أو المصابين بالسرطان أو الفقراء والأرامل في حين يبررون لأنفسهم دفع هذه المبالغ الكبيرة من منطلق أنها شكل من أشكال الاستثمار المالي، مشيراً إلى أن هؤلاء ربما لم يتكبدوا عناء جمع أو الحصول على هذه الأموال، داعياً الجهات المعنية إلى وضع حد لهذا البذخ. مبررات غامضة وأشار "محمد أديب عمر" -موظف في أحد البنوك- إلى أنه كلما حاول أن يجد مبرراً لدفع هذه المبالغ الكبيرة في مزادات "التيوس" أو "الإبل" يفشل في العثور على مبرر منطقي، مضيفاً أن العديد ممن يدخلون هذه المزادات لم يتعبوا في الحصول على هذا المال، موضحاً أن صرفهم له بهذه السهولة أمر طبيعي؛ لأن المثل يقول :"اللي عنده مال محيره يشتري حمام ويطيره"، مبيناً أن هذه المزادات وما يدفع فيها من أموال طائلة يقدمنا للعالم بصورة مشوهة في وقت يعاني فيه العالم من أزمات اقتصادية ومجاعات وكوارث. وبين أن هذه التصرفات قد تجعل هؤلاء يحقدون علينا ويتمنون زوال النعمة عنا، على الرغم من أن من يتصرفون بهذه الطريقة هم قلّة قليلة من المتخمين بالمال ممن يبررون تصرفاتهم هذه على أنها نوع من أنواع الاستثمار وتنمية المال، مشيراً إلى أن أحد هؤلاء قال له ذات مرة مبرراً :"لا يمكن أن يدخل السوق إلا من ربح فيه". صورتنا أمام العالم وأوضح "عبد الله الأحمري" -رجل أعمال، وعضو الغرفة التجارية الصناعية بجدة- أن هذه المزادات التي تنقلها بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تشوه صورة مجتمعنا المحلي وتجعلنا نبدو أمام العالم بصورة غير لائقة، مشيراً إلى أنه من غير المعقول أن يدفع الشخص مهما كان من ماله الذي يملكه ملايين الريالات لشراء "ناقة" أو "تيس"، مؤكداً على أنه من السفه أن تصل قيمة "تيس" إلى مبلغ يتجاوز دية الإنسان المقررة شرعاً عند دهسه، لافتاً إلى أن هذه المزادات تجعلنا نتأخر إلى الوراء بدلاً من أن نتقدم إلى الأمام. ودعا إلى أن يتم توجيه هذه الثروات لما فيه مصلحة الوطن والمجتمع وأن تستثمر في مشروعات تنموية وإنشاء وتشغيل مصانع تعود على الوطن والمواطنين بالفائدة المرجوة، مشدداً على ضرورة التعرف على مصدر هذه الأموال ومدى شرعية مثل هذه المزادات. مصدر المال! وأيده الرأي "عبد المحسن العتيبي"، مشيراً إلى أنه لا يمكن لإنسان تعب في الحصول على المال بعرق جبينه أن يدفع ملايين الريالات في "ناقة"، أو أن يدفع مبلغاً من المال قد يصل إلى (300) ألف ريال أو أكثر مقابل شراء "تيس" قد يموت بعد فترة قصيرة من شرائه له، داعياً الجهات المعنية إلى التدخل للكشف ومعرفة مصدر هذه الأموال!. وأضاف أنه من الأولى أن يتم إيقاف هذا "المهايط" وهذه "الفشخرة" التي تقدمنا للعالم في صورة لا تتفق مع ما وصلت إليه بلادنا من تطور حضاري، وما بلغه مجتمعنا من تفوق حضاري وعلمي في مختلف المجالات، مشيراً إلى أن تربية "الأغنام" و"الماعز" واقتناءها أمر محبب للنفس وشيء من تراثنا العربي الأصيل، بيد أنه يجب أن لا يصل الأمر إلى حد أن تصل قيمة "تيس" إلى أكثر من ربع مليون ريال وربما أكثر.