في حين لفت الباحث الشرعي والقانوني عبدالله العودة إلى أنه «ربما يتم التجسس أحياناً، وهو المنكر المتفق عليه، لرصد منكر مختلف فيه، وهذه مفارقة غريبة لا تمت لقواعد الشريعة بصلة، خصوصاً أن الأمر بالمعروف يفترض أن يكون في أمر تم الاستقرار على معرفة خيريَّته، أو إنكار أمر تم الاستقرار على معرفة شرّه، فإذا عرفنا مع هذا أن التجسس بذاته منكر عظيم، فكيف تصح ممارسة هذا المنكر لإنكار منكر قد يكون مختلفاً فيه أو ربما حتى متفقاً عليه». ولفت إلى كيفية التعامل مع إجراء خاطئ للوصول لنتيجة صحيحة، أي صحة التجسس مع أنه منكر لإنكار منكر آخر. واستشهد بقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشهيرة التي تتناول هذا الموضوع، حينما «كان يعس بالمدينة من الليل، فسمع صوت رجل في بيت يتغنى، فتسور عليه، فوجد عنده امرأة وخمراً، فقال: يا عدو الله، أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته؟ فقال: وأنت يا أمير المؤمنين، لا تعجل عليّ، إن أكن عصيت الله واحدة، فقد عصيت الله في ثلاث، قال تعالى: ولا تجسسوا وقد تجسست، وقال الله عز وجل: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها وقد تسوَّرت علي، ودخلت علي من ظهر البيت بغير إذن، وقال الله عز وجل: لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها، فقد دخلت بغير سلام قال عمر رضي الله عنه: فهل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم، والله يا أمير المؤمنين لئن عفوت عني لا أعود لمثلها أبداً، فعفا عنه وخرج وتركه، فأقره عمر على حرمة التجسس حتى على أصحاب المعاصي والمنكرات أنفسهم». وأكد أن هذا الحديث «يدل على قيمة الستر في الإسلام وشرعيته، وكون الستر في الأشياء الشخصية نفسه جزءاً من محاولة تحصين المجتمع ومكافحة الرذيلة فيه، على حين أن بعض الممارسات الحديثة لمعنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد تقوم على مهمات الترصد والكشف والفضح والتشهير بالأخطاء الشخصية». ونوّه إلى أن هذا كله يكون في مجال الأخطاء الشخصية الفردية الدينية، وليس التجاوزات العلنية الجماعية التي لا معنى للستر فيها، إذ إن الستر قد يعني التستر على المجرمين والمخالفين، ونوعاً من السكوت عن الفاسدين والمفسدين. وللأسف الشديد، فإن السلوك الحالي يُمارس العكس تماماً في الفضح والكشف في الأمور الشخصية الأخلاقية والأخطاء الفردية للصغار، والستر والسكوت عن التجاوزات العلنية الجماعية المستمرة للفاسدين والمتورطين في جرائم مجتمعية ومالية كبيرة.