أما وقد بلغ عامه العاشر فقد باتت مقاربة مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما مختلفة عما سبق، لم يعد الأمر مقتصراً على الدعم والتشجيع أملاً في نمو الفسحات المماثلة في الوطن العربي حيث الحاجة ماسّة الى كل ما هو ثقافي وإبداعي، إذ ان المهرجان رسّخ حضوره في السنوات المنصرمة وبات واحداً من مساحات المونودراما المهمة لا عربياً فحسب بل دولياً أيضاً حيث أنه يستقطب في كل دورة من دوراته (يُقام مرة كل سنتين) عشرات المسرحيين من كل أنحاء العالم فضلاً عن ضيوف من نجوم السينما والتلفزيون والاعلام، وللمثال فقد استضاف في دورته السادسة التي اختتمت قبل يومين مسرحيين من خمسين دولة فضلاً عن 13 عرضاً مونودرامياً تفاوتت مستوياتها. التحدي الأبرز الذي يواجهه المهرجان الوحيد من نوعه عربياً هو كيفية الخروج من دائرة الرتابة والتكرار وعدم تحوّل دوراته نسخاً متشابهة سنوياً، وهو مُطالب بعد عشر سمان شهدت أكثر من مئة عرض مونودرامي بتجديد نفسه بدءاً من شكل الحفل الافتتاحي وصولاً الى طبيعة العروض المشاركة، ولعله بات لازماً أن يكون العرض الافتتاحي على صلة بطبيعة المهرجان نفسه بحيث لا يكون مجرد أوبريت غنائي راقص. صحيح أن للافتتاح طبيعة احتفالية ينبغي الحرص عليها وعدم التفريط بها، لكن يمكن ابتكار صيغة خلاقة توائم بين البُعد المونودرامي والسمة الاحتفالية الواجبة في كل افتتاح. ربما كان من حسنات المهرجان في العشر المنصرمة غياب الجوائز عنه، خصوصاً أن معظم المهرجانات العربية التي تشهد توزيع جوائز يتم التشكيك في صدقيتها نظراً الى كونها تمنح جوائزها بناء لمعطيات غير ابداعية غالباً ما تدخل فيها الأسباب القُطرية والسياسية وسواها من حسابات بعيدة من الشرط الابداعي لهذا العمل أو ذاك، لكن رغم هذه الآفة التي نشكو منها في معظم مهرجاناتنا نظن أنه حان الوقت لكي يكون لمهرجان الفجيرة جوائزه بحيث يتم منح العروض الأفضل ما تستحقه من جوائز مادية ومعنوية مع تجنب الوقوع في المطبات التي وقعت فيها مهرجانات أخرى، والحرص على صدقية الجوائز من خلال لجنة ذات صدقية عالية تتكون من ذوي باع طويل في العمل المسرحي عربياً وعالمياً طالما أن المهرجان قادر على استقطاب هذا العدد الكبير من أهل المسرح مؤلفين ومخرجين وممثلين ونقاداً ومتابعين. ما يمكن قوله أيضاً في هذا المجال ان وضع جوائز للعروض المثلى يعزّز المنافسة بين المشاركين ويرفع من سوية الأعمال ويدفع أصحابها الى مزيد من الجدية في التعامل مع المهرجان حيث لاحظنا في الدورة الحالية ان معظم العروض المشاركة كانت دون السوية المطلوبة وبعضها أشبه بالعروض المدرسية (مع الاشارة الى تميز عرض «مايا» الجزائري الذي نال استحسان الجميع: تأليف وإخراج بوسهلة هواري هشام، إعداد أحمد بن خال، تمثيل جنّاتي سعاد)، وهذا ينم عن استخفاف من قبل بعض المشاركين بالمهرجان وجمهوره، وهنا لا بد من مطالبة اللجنة المسؤولة عن اختيار الأعمال بالتشدد وعدم الموافقة على أي عرض لا يستوفي الحد الأدنى المطلوب لأن فن المونودراما أرقى بكثير من أن يكون مجرد هذر كلامي على خشبة خالية، بل ان مسرح المونودراما أكثر تطلباً من الأنماط المسرحية الأخرى لكونه يستلزم من ممثل واحد ملء منصة عرض على مدار ساعة أو أكثر من الوقت ولعب أدوار متعددة في الوقت نفسه وتجسيد شخصيات مختلفة والغوص في عوالمها الداخلية المتشعبة والمتناقضة. هذه بضعة ملاحظات نضعها بتصرف القيمين على المهرجان حرصاً عليه وعلى قيمته الابداعية، خصوصاً أننا من المتابعين له منذ انطلاقته، وكذلك حرصاً على المسرح نفسه حيث الحاجة ماسة في هذا الزمن بالذات الى الفن المسرحي العظيم الذي يمثّل علامة من علامات تقدم الأمم وتطورها سيما متى التزم بالانسان وهمومه وقضاياه الفردية والجماعية، ونتمنى أن تكون العشر المقبلات من سنواته أكثر نضجاً وعمقاً وابداعاً وتفاعلاً بين تجارب من مشارب وثقافات متنوعة، وكم فرحنا أن مهرجان الفجيرة قد ولّد مهرجاناً عربياً آخر للمونودراما ينطلق من الكويت في آذار (مارس) المقبل،اذ ما أحوجنا الى مثل هذه الفسحات من التلاقي والتفاعل والحوار في زمن التشظي والتفرقة والتصدعات المميتة.