قال الكاتب والناقد الفلسطيني وليد ابو بكر: «كان لدينا مسرحيان رائعان الأول انتحر، والثاني مات، الأول هو فرانسوا ابو سالم وقد انتحر بعد ان ضاقت به سبل الحياة، والثاني يعقوب اسماعيل وقد رحل مبكراً مخلفاً مشروعه المسرحي الواعد والكبير». وأضاف ابو بكر «ان الوطن الذي ينتحر فيه مسرحيّ وطن ليس فيه مسرح». جاءت هذه الشهادة وغيرها من شهادات لفنانين ومخرجين مخضرمين حول تاريخ المسرح الفلسطيني على مدار القرن الماضي وحتى هذه الأيام، في الفيلم الوثائقي «وطن على خشبة المسرح» الذي انتجته الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الفلسطيني أخيراً، وعرض لأول مرة في رام الله، مطلع الأسبوع الحالي، وهو للمخرج غصوب عبد الرحمن، والمنتج المنفذ سعد العاروري، ويرصد تاريخ الحركة المسرحية الفلسطينية على مدار قرن من الزمن ما بين صعود وهبوط، وكان له العديد من الإضاءات على مطبات وانتعاشات لم تدم طويلاً. يروي فيلم «وطن على خشبة مسرح» تاريخ المسرح الفلسطيني»، في 90 دقيقة، وارتباط الحركة المسرحية في الداخل والخارج بالنضال الوطني، لافتاً انه كان في الأراضي الفلسطينية حركة مسرحية نشطة منذ عشرينات القرن العشرين، وحتى نكبة العام 1948، والتي كان لها الأثر الكبير في محو وتدمير الإنجازات المسرحية الفلسطينية السابقة، وكذلك في تشتيت الفنانين إلى الدول المجاورة لفلسطين، حيث كان هناك بعض التجارب الفلسطينية المسرحية في الشتات، لكن لم تحقق النجاح المطلوب. وبعد العام 1967 تأسس المسرح الفلسطيني خارج الأراضي المحتلة وحالت الظروف التاريخية دون ظهور هذا المسرح قبل هذا التاريخ. كما استمرت الفرق المسرحية في فلسطينالمحتلة بممارسة نشاطها المسرحي، وكان من أبرزها «فرقة المسرح الفلسطيني» وفرقة «سنابل» وفرق: «بلالين» و»دبابيس» و»المسرح الشعبي» و»المسرح التجريبي» و»فرقة الكواكب» و»صندوق العجب» وغيرها من الفرق المسرحية ، إلا أن بعض أعضائها سجنوا لممارستهم فن المسرح، وكان الاحتلال يشترط للترخيص للعرض المسرحي إجازة النصوص من الرقيب العسكري في جيش الاحتلال، وكان مقر هذا في مستوطنة «بيت إيل» القريبة من رام الله. ووفق الفيلم، ظهر أول تجمع مسرحي بعد حرب حزيران ( يونيو) العام 1975 تحت اسم تجمع العمل والتطوير الفني كعلامة مسرحية بارزة في الأراضي المحتلة سبقها وتلاها العديد من الفرق المسرحية المهمة التي ظهرت في مختلف المدن الفلسطينية، منها المسرح الوطني بالقدس والقصبة في رام الله ومسرح عشتار ومسرح عناد وأيام المسرح ومسرح الرواد. ويشدد الفيلم على أن المسرحيين الفلسطينيين ظلوا جزءاً مهماً من الشعب الفلسطيني، فكان للمسرح أهمية كبرى في توعية وتثقيف الناس، فيما قام المسرحيون الفلسطينيون باستخدام ارقى الوسائل الحضارية والإنسانية للتعبير عن همومهم وهموم شعبهم. ولأن المسرح وسيلة تثقيف وتعليم وتحريض استخدمت على مر العصور فقد كان المسرح الفلسطيني احدى أدوات المقاومة الفلسطينية التي ووجهت بقمع الاحتلال لها وبفرض الرقابة الصارمة عليها. ومن المفاجئ ما رواه الفنان المسرحي الفلسطيني حسام أبو عيشة، والذي يشتهر ككوميديان، خلال شهادته عن المسرح الفلسطيني في الفيلم، حيث انه وخلال فترة اعتقاله في سجون الاحتلال في سبعينات القرن الماضي قام بإنتاج ثلاث مسرحيات، فكان المعتقلون هم الممثلين وهم الجمهور حيث كان في غرفة المعتقل 75 أسيراً، وأضاف أبو عيشة ان جنود الاحتلال كانوا يحاولون مشاهدة العروض من خلال فتح الشباك الصغير في البوابة ولكنه كان يغلقه من الداخل لأن العرض ليس مخصصاً لهم ولأنهم لم يدفعوا ثمن التذكرة!. وشدد المدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون احمد الحزوري على ان الهدف من انتاج هذا العمل إنما هو القاء الضوء على العلاقة الجدلية ما بين المسرح الفلسطيني وعلاقته بالإنسان والمقاومة الفلسطينية، وكيف اثر وتأثر في ظل الظروف والمراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية وما هي الصعوبات التي واجهت مسيرة الحركة المسرحية الفلسطينية، وكيف قاومت من اجل القضية ومن اجل استمرارها وبقائها. وجاء إنتاج الهيئة هذا الفيلم بعد فيلمي «هنا القدس»، و»الأخوين لاما»، اللذين حققا نجاحاً ملموساً وتقديراً لدى المشاهد والجهات المختصة، ضمن باقة إنتاجيه مقررة من ستة أفلام تضم أيضاً فيلماً عن الإعلام الوطني الفلسطيني، يتحدث عن تاريخ وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا»، وآخر عن الصحافة الوطنية، وثالثاً يتناول الفن الاحترافي في فلسطين إلى ما قبل عام.