الحلابسة كلمة متعدّدة المعاني والدلالات، قد تكون سبباً لبلوغ الغايات أو الثورات، أو صديقاً للثوار والمعتصمين المفترشين الأرصفة أو عنصراً مهماً لموائد الفقراء في الليالي الباردة. على رغم عدم وجود معنى واضح لهذه الكلمة في القواميس العربية، فإن المصريين استطاعوا أن يعطوها معنى شديد الخصوصية في واقع حياتهم يرتبط فولكلورياً بالتراث المصري وأيقونياً بالتراث الاجتماعي وضرورياً للتغيير السياسي المطلوب. الحلابسة في القاموس الشعبي المصري تعني استخدام الحيلة والطرق الملتفة، ولها مرادفات عدّة، كاللّعب بالثلاث ورقات والفهلوة، وظهرت كصفات للشخصية المصرية بعد نكسة 1967 التي تلاها الانفتاح الاقتصادي في عهد السادات بحيث يستخدم «الفهلوي» طريقة الحلابسة التي تتعلق بالخداع والمناورة وخفّة الظل. بينما الحلابسة الأخرى هي المشروب الشعبي المصري الأصيل الحار «المشطشط» المصنوع من حبيبات الحمّص الذهبية التي تكاد كل حبة منها أن تحكي حكاية من حكايات مصر الأبية، والميدان ورائحة التوابل اللاذعة التي تكاد جزيئاتها الحارة تخترق أنفك، فتبعث الدفء في أوصالك. عُرف هذا المشروب ب «صديق الثوار»، فالثورة المصرية تأججت (25 يناير) وسط أشد ليالي الشتاء المصرية برودة فكانت الحلابسة مصدر الطاقة للثوار. يقول العم نبيل إسكندر، أشهر بائع حلابسة على الكورنيش، إن المشروب هو مشروب حمص الشام وهو يدفئ القلب وهو غني بالبروتين. حتى أن الفقراء يستخدمونه مع طبق الفول بالزيت الحار كوجبة متكاملة. ويضيف: «الحلابسة كان مشروب الثوار في ميدان التحرير، حيث كان يتحلق الثوار حول العربة وكان البيع على أشده، فالحلابسة ثارت وناضلت وهتفت مع الثوار وسدت جوعهم وعطشهم وأشاعت الدفء في أوصالهم، فغنوا لها وألفوا المسرحيات عنها في ليالي السمر في الاعتصام واستخدموها كقاذفات لهب ذهبية سلمية، قذفوا بها جنود الأمن المركزي الذين كانوا يهاجمونهم، فتلهب أعينهم وتعميهم عن تتبعهم». وعن طريقة صنع الحلابسة، يقول الشيخ السبعيني إنه ينقع حمص الشام حتى يصبح ليناً، ويضع فوقه عصير الطماطم (البندورة) والصلصة والبصل والثوم المهروس والملح والكمّون والفلفل الأسود والتوابل الحارة حتى ينضج. ويقدم مع عصيره الساخن بأكواب مع الليمون والشطة (الحرّ). وعن التسمية، يوضح العم إسكندر أنها مشتقة من كلمة فرعونية تتعلق بالشجاعة، فشراب حمص الشام عسير الهضم لاذع حار، وكانت توضع فيه كميات كبيرة من الشطة وتقام مسابقات في تناوله، وأُطلق على من يشربه اسم حلابسي.