لطالما تساءل الكتاب السعوديون عن أسباب عزوف الملايين من بني جلدتهم عن السياحة في بلادهم، وإصرارهم على عبور الحدود وتكبد مصروفات عالية في مقابل أيام قليلة من التمتع مع أسرهم بإجازاتهم السنوية. آخر من تحدثوا بحرقة عن الموضوع الكاتب الزميل علي الموسى في صحيفة الوطن عندما ذكر أن الرقم غير المعلن لعدد السعوديين الذين قضوا إجازتهم الأخيرة في دبي يصل إلى نحو مليون سائح، مرجعاً ذلك إلى أن جحافل السياح السعوديين تبحث عن الحياة الطبيعية التي تفتقدها في صحارينا الجميلة، بعد أن تحولت إلى كانتونات مغلقة، لكن ما لم يتطرق إليه الكاتب في شكل صريح على رغم أنه السبب الرئيس في رأيي لهذه القوافل السنوية من السياح العابرين للحدود، يتمثل في «الهروب الكبير من تسلط الدواعش»، والدواعش هنا مصطلح يشير إلى من يحملون الفكر الهمجي المتطرف الخاص نفسه بتنظيم «داعش» في سورية، ولا أعلم إلى متى سنظل ندور في دوائر مغلقة من دون الحديث بصراحة عن هذه المشكلة الحقيقية التي تحبط أي خطوة أو جهود، لإنجاح السياحة الداخلية في بلادنا. «دواعش الشام» أفسدوا ثورة السوريين، ولوثوها بتطرفهم وهمجيتهم، أما دواعش بلادنا فأفسدوا حياة المواطنين بتطرفهم وانتهاكهم خصوصية الناس وحرياتهم في الأماكن العامة، وتشويه سمعة المهرجانات والفعاليات السياحية باسم الدين والاحتساب على رغم أن الأنظمة تحظر ممارسة الاحتساب في السعودية من أية جهة أو فرد عدا الجهة المخولة بذلك، وهي «هيئة الأمر بالمعروف». قبل أيام انطلقت مهرجانات سياحية عدة في مدن سعودية مختلفة، من أبرزها مهرجان رضوى البري في ينبع الذي تقاطر عليه بجانب السعوديين عدد كبير من السياح الأجانب من أوروبيين وآسيويين، للتعرف على تراث البلاد، والاستمتاع بالأجواء الربيعية المميزة ورحلات السفاري التي تنظم للمرة الأولى بطريقة لافتة في المملكة، لكن هجمة داعشية تشويهية شرسة كانت في انتظار المنظمين، يتزعمها دواعش «تويتر» الذين أساءوا لسمعة المهرجان، وشهروا بمنظميه، وحرضوا المتطرفين على تخريبه، بحجة الاختلاط والموسيقى، وهو الموال نفسه الذي يكررونه سنوياً لمهاجمة الفعاليات كافة في السعودية وعلى رأسها مهرجان الجنادرية. دواعشنا أيضاً هاجموا خلال الأيام القليلة الماضية الجهات المنظمة لكل من مهرجان الخبر ومهرجان التراث في مكة، ومهرجان جدة التاريخية «كنا كدا»، وحاولوا تجنيد ما يُسمى بالخلايا الاحتسابية غير النظامية عبر الإنترنت لإفساد الفعاليات المصاحبة لهذه المهرجانات، ثم يريد منّا البعض أن نسأل عن سر عزوف السعوديين عن السياحة الداخلية، ونضع نظريات ومبررات هلامية تتلاشى أمام الواقع الذي يؤكد منذ أعوام طويلة أن لا سياحة ناجحة مع وجود خلايا «الفكر الداعشي» في شوارعنا ومتنزهاتنا حتى إن فعلنا المستحيلات. [email protected] @Hani_Dh