تنطلق اليوم الدورة الخامسة والأربعون لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، تحت شعار «الثقافة والهوية». وفي ظلّ الظروف الراهنة، قد يكون سؤال الهوية عنواناً مركزياً في الثقافة المصرية الحالية، لا سيّما أنّ إسقاط حكم الإخوان - بعد عام واحد على تسلّمه الحكم - هو خطوة في طريق اكتشاف الهويات المصرية المتعددة، الفرعونية والقبطية والإسلامية والعربية. وفي هذا الإطار، يؤكد أحمد مجاهد، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب (الجهة المسؤولة عن تنظيم المعرض) أنّ حكم الإخوان كاد أن يحرم مصر الكثير من عناصر هويتها، بل إنّه كان يسعى إلى تحريف العادات المصرية الثقافية الأصيلة لمصلحة الأخونة الخالصة. ومن هنا جاء اختيار الهوية شعاراً للمعرض في دورته الحالية (من 22 كانون الثاني/ يناير حتى 4 شباط/ فبراير). ويُضيف مجاهد: «الهوية هنا هي هوية الوطن ككلّ، هوية مصر بكلّ مكوناتها الثقافية عبر إعادة اكتشاف الكيانات الثقافية المتعددة في القرى والنجوع والمحافظات». أمّا نجاح المعرض وتكريس دوره كحدث ثقافي دولي فلن يتحقّقا إلاّ حين يبلغ معرض القاهرة هدفه التثقيفي أولاً، وهذا ما يؤكده مجاهد في قوله: «لا نكون قد نجحنا إلاّ حينما يزداد الإقبال على المعرض من عامة الشعب، حتى ولو كان ارتياد الأنشطة ملحوظاً بشكل أكبر في الحفلات الفنية». يُشارك في الدورة الحالية من معرض القاهرة للكتاب 800 ناشر و28 دولة، علماً أنّ الكويت تحلّ كضيف شرف. وهي تتقاسم مع بقيّة المشاركين مساحة 80 ألف متر مربع، بعد توسيع شملَ أجنحة المعرض ومساحات العرض. تدور معظم أنشطة المعرض، ومنها «الطاولات المستديرة» التي تُشرف عليها سهير المصادفة، حول مفهوم الهوية. ومن تلك اللقاءات نذكر: «الثقافة وسيلة من وسائل مكافحة عدم التسامح والتمييز والتحريض على العنف» و»الهوية المصرية متعددة الأبعاد والوجوه والطبقات وبوتقة انصهار الحضارات» و»اللغة العربية من أعمدة الهوية المصرية». وبعد توقّف «شخصية العام» خلال الفترة الماضية، يعود هذا النشاط ليدخل ضمن برنامج الدورة الحالية لمعرض القاهرة. وقد اختير عميد الأدب العربي طه حسن ليكون هو «الشخصية» التي يحتفي بها معرض القاهرة في دورته الراهنة، باعتبار أنّه «قائد التنوير» في زمن يطغى عليه الظلاميون. وفي هذا الإطار، يقدّم المعرض ندوات حول أعمال صاحب «الأيام» وآثاره في الثقافة والهوية المصرية، مع صدور عشرة أعمال من أبرز مؤلفاته في طبعات جديدة، وكتب أخرى لم تنشر له، وهي عبارة عن مقالات ومؤلفات صغيرة. تشهد مكتبة الأسرة ضمن أنشطة «القاعة الرئيسة» ندوات منفردة حول أهمّ إصداراتها، وسيكون جمهور «مشروع القراءة للجميع» على موعد كل يوم من أيام المعرض مع مناقشة أكثر من عشرة كتب صادرة حديثاً ضمن المشروع. أما «خدمة القارئ» فتتيح أمام زوّار المعرض فرصة الحصول على كتاب «لسان العرب» لابن منظور بأسعار زهيدة، بعد إعادة طبعه. وفي ما يخصّ جائزة أفضل كتاب، التي تمنحها هيئة الكتاب سنوياً في ختام المعرض لأفضل كتاب رشحه كاتبه أو الناشر خلال العام، استحدثت هذا العام جائزتان بدلاً من جائزة واحدة للمرتبتين الأولى والثانية في كل مجال من المجالات العشرة المخصصة للجائزة. وتبلغ قيمة الجائزة عشرة آلاف جنيه مصري تمنحها وزارة الثقافة للكتاب الأول، أما جائزة الكتاب الثاني فتمنحها دولة الكويت باعتبارها ضيف شرف المعرض. الثورة والشباب تدور أنشطة «ملتقى الشباب» حول موضوع الثورة والشباب، ويناقش الملتقى محاور عدة: «التغيير والمستقبل وسؤال التوافق بين الشباب»، «دور الشباب في تطوير الأحزاب ومشاركتها آمال وطموحات الجماهير»، «الثورات العربية... حقائق وأخطاء وأخطار»، «شباب الثورة والانقسام بين التيار الديموقراطي والوحدوي العروبي الإسلامي» و»الثورة من الهدم إلى البناء: دور الشباب في صناعة دولة المؤسسات وتقديم رؤى بديلة». وفي برنامج المعرض استحدث هذه السنة نشاط بعنوان «بين جيلين: نحو بلورة استراتيجية ثقافية للحفاظ على الهوية المصرية»، وهو لقاء بين مبدع أو مثقف أو سياسي شاب مع أحد النجوم الكبار المخضرمين في مجاله. ومن الضيوف المقترحين: عبد الرافع درويش ومحمد عبد العزيز (حركات التمرد في مصر من كفاية إلى تمرد)، منى عمر وأميرة فاروق (المرأة بعد الثورة: الواقع والتحديات)، مصطفى حجازي وعبد القادر الهواري (الثورة المصرية وتحقيق استراتيجية مصر المستقبل)، خالد مطاوع وعامر محمود (الأجهزة السيادية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية)، محمد القاري وجمال فهمي (مستقبل مصر: تغيير الخريطة الديموقراطية لمصر). ومع تضاؤل الحرص على استضافة أسماء عربية وأجنبية مكرّسة أدبياً، كان اهتمام معرض القاهرة للكتاب منصبّاً خلال السنوات الأخيرة على الحوارات والندوات وحفلات التوقيع التي تُثري المعرض بوصفه «مهرجاناً» يلتقي فيه الناشرون والكتاب والقراء في مكان واحد. وفي مقابل الاكتفاء بتكريسه سوقاً لبيع الكتب تحول المعرض إلى متنزه للعائلات مع إجازة نصف العام. هكذا، أصبح التحدي البارز أمام رئيس المعرض أحمد مجاهد هو النجاح في إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب في موعده المحدّد في الأجندة العربية للمعارض حتى لا يفقد صفته بعد التهديد الذي سبق أن واجهه حين ألغي المعرض في أعقاب ثورة يناير. لكنّ السؤال يبقى إن كان سينجح معرض القاهرة في دورته الحالية في أن يتجاوز الظروف الطارئة ويُكرّس مرّة جديدة كملتقى ثقافي قادر على أن يُعيد إلى مصر دورها الثقافي الريادي.