الكاميرات في روسيا حاضرة في كل مكان: في المقهى والشارع ومحطات القطارات وعلى اشارات السير. ولذا، أمكن تصوير هجمات نهاية العام المنصرم في فولغوغراد، ستالينغراد سابقاً التي كانت رمز المقاومة السوفياتية للاجتياح النازي. وبثت تسجيلات هذه الهجمات على الشاشة الصغيرة وشبكات التواصل الاجتماعي. وحملت صوراً عنيفة: 34 قتيلاً بينهم طفلان ومئات الجرحى ورضيع في حال حرجة. وهذه الهحمات تعيد روسيا الى أوقات عسيرة مرت بها في 1999 حين أدت موجة هجمات الى وفاة اكثر من 300 شخص وأشعلت فتيل حرب الشيشان الثانية. وتوعد الرئيس الروسي في خطاب رأس السنة الجديدة الارهابيين بالفناء. وأوفدت بطريركية موسكو راهبين للطواف في مروحية فوق المدينة حاملين ايقونة لتهدئة غضب القلوب. ولا يستخف بخطورة الاوضاع في الفولغا. ففي ثلاثة أشهر وقعت ثلاث عمليات انتحارية في هذه المدينة التي يغلب الروس على سكانها. وصارت الفولغا هدف الميليشيات الاسلامية المنتشرة في شمال القوقاز، على بعد مئات الكيلومترات منها. وفي 21 تشرين الاول (اكتوبر) 2013، فجرت شابة داغستانية حزامها الناسف في باص مزدحم بالركاب توقف في الفولغا في طريقه الى موسكو. وفي 29 كانون الاول (ديسمبر)، فجر انتحاري قنبلة في محطة فولغوغراد الآمنة بحراسة الكاميرات. وبعد أقل من 24 ساعة، انفجرت قنبلة أخرى في وقت الذروة حين يتوجه الناس الى اعمالهم في باص على بعد كيلومترين من المحطة. وعلى رغم عدم تبني أي جهة الهجمات، تشير الادلة الى انها تحمل بصمات «إمارة القوقاز»، وهي مجموعة صغيرة من الاسلاميين المتطرفين ابصرت النور في 2007، وعلى رأسها دوكو عمروف الذي أفلت الى اليوم من قبضة الاستخبارات الروسية. وفي تموز (يوليو) 2013، لوّح عمروف من مخبئه في غابة قوقازية بإصلاء روسيا دمعاً ودماً جزاء تنظيم الالعاب الاولمبية في سوتشي في شباط (فبراير) المقبل. فالألعاب هذه هي رمز القوة الروسية الخارجة من سباتها. وأماط محققون في التفجيرات اللثام عن هوية أحد المفجرين، وهو بافيل بتشيونكين التتري الممرض في مستشفى قبل التحاقه بالمتمردين الاسلاميين في داغستان في 2013. ووجّه أهله نداءات له ترجوه العودة الى المنزل. ولكنه رد عليهم في شريط تسجيلي على الانترنت يبلغهم المسار الذي اختاره. وحذا أهل ديمتري سوكولوف وهو شاب روسي في الواحدة والعشرين من العمر انضم الى الاسلاميين، حذو أهل بتشيونكين. ورجوه العودة. ولكنه لم يجب نداءهم. وديمتري كان خبيراً بالمتفجرات، وهو درّب حاملة القنبلة في باص فولغوغراد. وهي زميلة له في الدراسة عقد قرانه عليها. وهو قتل في عملية للقوات الخاصة في داغستان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013. وهوية منفذي التفجيرات تشير الى ان إمارة القوقاز امتدت الى خارج مسقطها وتوسعت أذرعتها. فنمت خلاياها في تتارستان، وهي منطقة تركمانية اللسان ينزل فيها مسلمون على بعد 737 كيلومتراً من شرق موسكو، وفي المنطقة الممتدة على طول نهر الفولغا في الأورال وسيبيريا الغربية. ويرى الباحث أليكساي مالاشينكو من مركز كارنيغي في موسكو أن شمال القوقاز يصور على انه بؤرة التطرف الاسلامي في روسيا. والى وقت قريب، نظر الى منطقة الفولغا على انها جزيرة أو نقطة مسلمة في بحر ارثوذكسي. ولكن في الاعوام الاخيرة، انقلبت الاحوال. وربط النمو السكاني المطرد في المنطقة وموجات المهاجرين المسلمين من آسيا الوسطى اليها والى سيبيريا الغربية، هذه الجزيرة بالبر الآسيوي الوسطي الذي يغلب عليه المسلمون. * محللة، عن «لوموند» الفرنسية، 9/1/2014، إعداد منال نحاس