على وقع استئناف جلسات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي، حيث كان أمس يوم الدفاع عن المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري، أعلن زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في حديث الى إذاعة «أوروبا 1»، أنه لن ينسى ولن يسامح من قتلوا والده وأن الرئيس السوري بشار الأسد هو الذي أعطى الأوامر باغتياله، مشيراً الى أن «المتهمين الخمسة الذين يحاكمون غيابياً في المحكمة هم من «حزب الله» الذي له «هيكليته». وفيما قال الحريري إنه سيعود الى لبنان في أيلول (سبتمبر) قبل الانتخابات النيابية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، أكد أنه وافق على الجلوس مع «حزب الله» في الحكومة «لأن البلد أهم مني ويجب انتخاب رئيس للجمهورية». وفيما أعلن رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن الحكومة ستولد نهاية الأسبوع الجاري. ولقيت مواقف زعيم «المستقبل» مزيداً من التأييد والثناء، لا سيما من قطبين رئيسيين هما زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ورئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط. واستمر الوضع الأمني في طرابلس مشتعلاً لليوم الثاني على التوالي وشكّل هاجساً للقوى السياسية، خصوصاً أن رموز تيار «المستقبل» وحلفاءه وبعض قادة المدينة رأوا في تأجيج الاشتباكات بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن رداً على موقف الحريري بتسهيل تشكيل الحكومة. وسقط في الجولة الدموية الجديدة خلال اليومين الماضيين 7 قتلى وزهاء 40 جريحاً. وبينما رأى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن المتضررين من التقارب الحاصل بين القوى السياسية يستسهلون اللعب في الساحة الطرابلسية، أعرب النائب في «المستقبل» سمير الجسر عن خشيته من أن «بعض المتضايقين من انتهاء عمر الحكومة أودعوا بعض الرسائل في صندوق البريد في طرابلس». وشهدت الاتصالات حول تأليف الحكومة أمس عنصراً جديداً هو التواصل المباشر من قبل «التيار الوطني الحر» مع الرئيس سليمان والرئيس المكلف تمام سلام اللذين التقيا مسؤول العلاقات السياسية في التيار وزير الطاقة جبران باسيل ليناقش معهما مطالب العماد عون في الوزارات والمقاعد الأربعة التي ستخصص لتكتله النيابي، بعدما تسربت أنباء عن أن عون أبدى انزعاجه من تقديم حلفائه في «حزب الله» التنازلات التي تمس موقعه في الحكومة بموافقتهم مع رئيس البرلمان نبيه بري على المداورة الكاملة في الحقائب بحيث تنتزع منه حقيبة الطاقة التي يصر على بقائها في يد باسيل. وكان لعون موقف لافت أمس من إعلان الحريري، فاعتبر أن «فيه شجاعة وبدّل الوضع برمته وسهّل تأليف الحكومة وسيعيد خلط الأوراق، وأعتقد أن التلاقي الجديد بيننا وبينه سيكون ممتازاً». ومن جهته، قال النائب جنبلاط إن موقف الحريري «أتى في لحظة مفصلية يمر فيها لبنان والمنطقة». واعتبر أنه «أثبت أنه رجل دولة قادر على إعلاء المصلحة الوطنية والاستقرار فوق كل اعتبار ما يعكس فهمه العميق للنظام اللبناني». وأمل أن «توظف مواقف الحريري لمصلحة احترام الاستحقاقات المقبلة». من جهته، وفي ظل استمرار التباين بين قوى 14 آذار حول الموقف من اشتراكها في الحكومة، قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في حديث لمحطة «العربية» إنه لا يشارك الحريري في «فحوى» تصريحه الذي أدلى به الجمعة الماضي «مع أنني أوافقه الرأي بأنه يجب اتخاذ خطوات لحلحلة الوضع». وعلّق جعجع على تأكد الجيش اللبناني تحليق طائرة استطلاع من دون طيار فوق مقره منذ 15 يوماً أكثر من مرة، وقال إن التحضير لاغتياله مستمر. واعتبر تحليق الطيران فوق مقره يأتي في سياق التهويل على قوى 14 آذار. وكان الرئيس سليمان ألقى خطاباً مطولاً أمام السلك الديبلوماسي الأجنبي والعربي أكد فيه أن السعي لتشكيل حكومة جديدة سيستمر وكذلك لاستئناف أعمال هيئة الحوار الوطني والتهيئة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية والتوافق على قانون جديد للانتخاب. وطالب «الدول الصديقة والشقيقة القادرة بدعم الاستقرار في لبنان عبر تشجيع الأطراف الداخليين والدول المؤثرة لتحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية من طريق الالتزام فعلاً لا قولاً بإعلان بعبدا». وقال إن لبنان سيشارك في مؤتمر جنيف -2 على أساس التزام تحييد نفسه عن تداعيات الأزمة، وإيجاد حل سياسي يسمح بعودة اللاجئين السوريين ومساعدة لبنان على تخطي آثارها السلبية على أوضاعه. وجدد سليمان الشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على عزمه تقديم 3 ملايين دولار كدعم استثنائي للجيش اللبناني. أما على صعيد جلسات المحاكمة في لاهاي حيث تحدث محامو الدفاع عن المتهمَين مصطفى بدر الدين المحامي أنطوان قرقماز، وحسن عنيسي المحامي الفرنسي فانسان كورسيل لابروس والمحامي المصري ياسر حسن، كما تحدث رئيس مكتب الدفاع فرانسوا رو رافضاً توجيه الاتهام الى المتهم الخامس حسن مرعي في وقت لا يستطيع الدفاع عن نفسه وقبل اتخاذ الإجراءات التمهيدية، معتبراً أنه يستحيل أن تكون قضية مرعي جاهزة. وشكا قرقماز من أن ملف التحقيق غير متوازن وأن الحكومة اللبنانية لا تتعاون مع محامي الدفاع في الحصول على المعطيات. ورأى أن المحكمة تخدم غايات ما زالت غير معروفة. كما انتقد تصريحات الادعاء حيال المتهمين واعتبر أن ما من أدلة تثبت وجود انتحاري في السيارة التي فجرت بموكب الحريري، وأن اعتداء 14 شباط لا ينطبق عليه توصيف الإرهاب. أما محامي عنيسي لابروس فقال إن الادعاء استفاد من 9 سنوات لإجراء تحقيقاته وآلاف المقابلات وملايين الدولارات، على عكس فريق الدفاع الذي حصل على أقل من عامين لنتمكن من دراسة آلاف الصفحات. أما المحامي ياسر حسن فسأل عن سب عدم قيام محاكم دولية لاغتيالات أخرى.