تشتبك أشكال هندسية مع لمسات إبداعية في المنحوتات الجليدية، ويطغى بريق الكريستال على المجسمات. وردة وإوزة وشمعدان، تتلألأ بأضواء خافتة تخترقها من جانبيها وأسفلها، فيما تعكس أنوار ملونة بريقها على مجسمات ضخمة، تشعل المناسبات الرسمية والأعراس بفن ترويض الجليد. لم يكن فن النحت على الجليد رائجاً في الشرق الأوسط قبل إعلان اللبناني روني محفوظ إنشاء مصنع كامل لهذه الحرفة، يبدأ من تصنيع الجليد، وصولاً إلى نحته وعرضه في المناسبات العامة في مواقع مفتوحة أو مغلقة، ليحل محل الأواني الخزفية والأزهار في كثير من الاحتفالات، نظراً إلى التشابه بينها لناحية مدة الصلاحية. أول ما يخطر في البال، السؤال عن إمكان صمود منحوتة الثلج في ظل ظروف مناخية لبنانية تؤدي إلى إذابتها، وبالتالي فقدان شكلها. يؤكد محفوظ أن «كل شيء مدروس»، مشيراً إلى أنه «بإمكان المنحوتة أن تصمد خمس ساعات على الأقل في ظروف مناخية حارة، قبل أن تبدأ الذوبان، وهي المدة القصوى لأي احتفال أو حفلة زفاف». على غرار الأزهار الطبيعية التي تتميز بالاستخدام لمرة واحدة فقط، ولفترة وجيزة قبل أن تفقد رونقها، تُستخدم المنحوتات الجليدية في المناسبات، لتكون زينة محدودة الصلاحية، مع فارق بسيط أن هذه الأشكال تعطي انطباع الكريستال، وتستخدم كزينة رديفة وحاضنة للأزهار والفواكه وعبوات المشروبات الغازية، فضلاً عن أنها واجهات عرض لمنتجات تجارية، أو لشعارات تسويقية مثل «لوغو» الشاشات التلفزيونية. ولا يعني هذا التوجه، إلغاءً لجمال الأزهار المعتمد في المناسبات، بل هو متمم لها. ويحمل محفوظ إرث عائلته المهني في تزيين المناسبات بالأزهار، قبل أن يطورها بابتداع الجليد مساحة رديفة وجديدة للتزيين، معتمداً على تقنيات أوروبية وأميركية، تلتقي مع شغفه في الفن وموهبته في النحت ورسم الأشكال الجميلة. وتتشابه تقنية نحت الجليد، من ناحية فنية، مع النحت في الأجسام الصلبة كالصخر أو الخشب. وتُضاف إلى هذه العملية تقنية مختلفة قائمة على صناعة الجليد في ظروف علمية معقدة، تتيح للوح الجليد أن يعطي انطباع الكريستال لدى عرضه، ويبقى متماسكاً ساعات طويلة محتفظاً ببرودته. قبل عامين، أطلق محفوظ مشروعه حاملاً اسم The 360 Ice، متحدياً الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها لبنان، والتحديات الأمنية التي تواجهه، إيماناً منه بضرورة مبادلة وطنه بعطاء فني، على رغم أن المشروع يتمدد الآن إلى دول عربية. وبالفعل، زينت منحوتاته حفلات زفاف ومناسبات تسويق تجاري وبرامج تلفزيونية. في مشغل محفوظ القائم في منطقة فرن الشباك في بيروت، آلات تنقّي المياه، ومستوعبات ضخمة لتصنيع الجليد، وبرادات كبيرة لحفظ الألواح التي يحفر محفوظ فيها في حرارة تقارب 18 درجة مئوية تحت الصفر. يقول: «كان النحت في هذا الصقيع مهمة شاقة في البداية، قبل أن أعتاد العمل في هذه الظروف»، مشيراً إلى أن تقنية النحت «تساعدني على ترويض الجليد بما يمنحه طابعاً فنياً يتمتع بجمالية كبيرة». ويستخدم محفوظ آلات كهربائية تساعده على النحت بتجانس هندسي وفني، يزاوج فيها بين العلم والموهبة، ما يصنع الدهشة في مجسمات صغيرة وكبيرة مبتكرة، أبرزها سلال للفواكه وحاضنات للأزهار توضع على الطاولات في المناسبات، إضافة إلى مجسمات ضخمة هي بمثابة طاولات استقبال وعرض في تلك المناسبات. ويستعين بتقنيات الإضاءة غير الحرارية لبث جمال الألوان في الكريستال الثلجي الشفاف، بما يعكس توهجاً مميزاً. يواكب محفوظ الزمن بابتداع أشكال جديدة، محتفظاً بحقه في التفرد، وتستغرق كل منحوتة ساعات طويلة من الجهد اليدوي في مشغله، قبل أن ينقلها إلى مكان الحدث حيث تعرض في الخلاء. واسترعت المنحوتات الجليدية اهتمام كثيرين، أرادوا أن يميزوا احتفالاتهم الخاصة. وبهذا المشروع، يطلق محفوظ فناً إضافياً يعتمد في الشرق الأوسط لتزيين الاحتفالات، كما يشكل انطلاقة لتطوير فن النحت في الجليد الذي كان يقتصر على بلدان أوروبية وأميركية، نظراً إلى قدرته على جذب مواهب تعشق ترويض الأجسام الصلبة، وبث روح جمالية فيها تكسر جمودها.