انتهى من إعداد دراسة جدوى لمشروع تجاري مربح، وحدد مواصفات الشركاء المناسبين لإنشاء شركة تجارية تستثمر في هذا المشروع، وأخيراً أسفرت جهود الاستقصاء ثم المفاوضة عن توقيع عقد الشركة مع الشركاء المختارين بعناية، وكاد الحلم أن يصبح حقيقة. خلاصة ما حدث بعد ذلك هو أن اختصم الشركاء في قضيتين أمام القضاء التجاري قبل بداية نشاط الشركة، ولم تنتهِ فصول القصة بعد. غالباً في نزاعات الشركاء لا يوجد رابح وخاسر، بل الكل خاسر - وإن تفاوتت نسبة الخسارة بين المتخاصمين - أو الكل رابح - وإن تفاوتت نسبة الربح. ويخطئ البعض في تقدير الموقف، فيجني على نفسه من حيث ظن أنه محصن، فالكل متضرر من تأثر نشاط الشركة باضطراب الإدارة وعدم استقرار قراراتها، وما يلحق ذلك من التأثير في سمعة الشركة وسمعة الشركاء وملاءتهم المالية وموقفهم الائتماني. الشراكة رابطة تقوم على ركني الثقة والشفافية بين الشركاء، وذهاب أحدهما منشأ لمناقشات وخصامات مستمرة، والشريك الفاقد لهما متحفزٌ دائماً لأي تصرف يقوم به شريكه، فسوءُ الظن عنده يسبقُ حسنه، والشك عنده لا يزول إلا بيقين، ويغدو الترصد هو الهاجس، وينعدم أهم مقومات الشراكة وهو الاطمئنان. إذا بلغت الخلافات إلى هذه الدرجة فقد أصبح جسم الشركة مصاباً بسرطان الاختلاف، ولا يمكن التنبؤ بتطوراته، ولا الجزم بشفائه، وفي هذه الحالة قد تكون المتاركة والمفارقة هي عين الحكمة وتمام العقل. ليس فشلاً أن يختلف الشركاء، بل الاختلاف سنة كونية، وإنما فشل الشركاء يأتي من فشلهم في إدارة الاختلاف. * قاضٍ في ديوان المظالم سابقاً. [email protected]