تعيش تونس هذه الأيام على وقع الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة الرابع عشر من كانون الثاني (يناير)، أو «ثورة الياسمين» كما يفضل كثر تسميتها. الاحتفال بهذه الذكرى يكتسب صبغة خاصة لما تعيشه البلاد من أوضاع متوتّرة فجّرتها مشاكل اجتماعية أهمّها غلاء المعيشة والضرائب التي أثقلت التونسيين. وتأتي هذه الاحتفالات لتعطي جرعة من الفرح لشعب أثبتت الدراسات أنه بات من أكثر شعوب الأرض كآبة. احتفالات تتّحد فيها الفنون لتروّج للفرحة والمتعة والتفاؤل على رغم كل شيء. وتعيش كل محافظات البلاد تقريباً على إيقاعات الثورة من خلال الموسيقى والرقص والمسرح والشعر والعروض الأدائية والفنّ التشكيلي، وانطلقت هذه الفعاليات منذ كانون الأول (ديسمبر) 2013، وتستمر حتى نهاية الشهر الجاري. ووضعت وزارة الثقافة واللجنة الثقافية الوطنية برنامجاً احتفالياً ثرياً لهذه المناسبة يتضمن عدداً من الفقرات والعروض الفنّية والأدبية الموجّهة للكبار والصغار. وكان عرض الافتتاح في المسرح البلدي في تونس بتوقيع الفنانة سنيا مبارك وحمل عنوان «حِلْمة»، في حين سيحتضن الفضاء ذاته عرض الاختتام التي تقدمه الأوركسترا السّمفونية التونسية بقيادة المايسترو حافظ مقني. وستقدم قاعة الفنّ الرّابع في العاصمة مجموعة من العروض المسرحيّة من بينها «علي بن غذاهم» و»ريتشارد الثّالث» و»أحوال» والتفاف»، ومسرحية ‘'النّسور» و»الجرحى» و»شكسبير أش جابو لينا « و»الرّهيب»، اضافة إلى أعمال موجهة للأطفال منها «السّيد والعبد» و»السّندباد والأميرة نهاوند» للمركز و»الهنشير». وتحتضن «دار الثّقافة، ابن خلدون» معرضاً للإصدارات الأدبيّة الجديدة، في حين يؤثّث معرض للفنون التشكيليّة قاعة الأخبار. وتقترح دار الثّقافة «ابن رشيق» سهرة إبداعات شبابيّة بعنوان «النّهار راح» وهي عبارة عن عمل فنّي راقص لعماد جمعة، فيما يقدم أحمد الماجري عرضاً في قصر العبدلية في المرسى يمزج فيه بين الموسيقى العربية والإيقاعات الإفريقية. وكما كان الشارع فضاء لانطلاق الثورة، برمج عدد من الفعاليات في فضاءات خارجية أهمها شارع الثورة، شارع الحبيب بورقيبة الذي يحتضن ورشة فنون تشكيلية بعنوان «ألوان الحرّية على مدى ثلاثة أيّام، فضلاً عن يوم للأطفال وعروض موسيقية لمجموعة عبدالرحمن الشيخاوي ومجموعة «أجراس» ومجموعة سهيل الشّارني ومجموعة «عشّاق الوطن» وعرض «مبيتة رجال الكاف» لمركز الفنون الدرامية في الكاف. وفي المحافظات، تحتضن العديد من الفضاءات الثقافية سلسلة من الأنشطة والعروض الفنية، منها عرض ونقاش أشرطة حول الثورة وندوات فكرية تتناول العديد من المسائل المتعلقة بالثورة، منها «ثقافة الانتماء الوطني في مواجهة المؤثرات الفكرية الخارجية» و»آفاق الثورة التونسية» و»تثبيث المحاور الفكرية ذات العلاقة بأهمية الثقافة والفنون في دعم الانتقال الديموقراطي وتحقيق أهداف الثورة». وفي صفاقس عاصمة الجنوب، تقام مجموعة من اللقاءات الفكرية والأدبية والعروض المسرحية والموسيقية والفنون التشكيلية التي تتواصل إلى نهاية الشهر الجاري، وتتوزع على الفضاءات الثقافية. وتشهد غالبية المدن احتفالات تتفاوت بين الفنّي والسياسي والفكري في محاولات لإعادة فهم ما حدث في تونس والسعي الى قراءته إبداعيّاً، وهو ما يتطلب سنوات أخرى ربما، حتى تتضّح الرؤية أكثر وتتبيّن الخطوط الدقيقة التي تؤكد كل يوم غياب النخبة المثقفة عن الحراك الذي شهدته تونس قبل الثورة.