ليس عبثا أن يحتل الفنان، أي فنان، مكانة لائقة، وأن يحظى باحترام الجمهور، فتطلبه شركات الإنتاج لأعمالها، ويتمنى المخرج أن يقف أمام عدسته، ولا يمل الجمهور، بدوره، من متابعة جديده. ولعل كل ما يقال عن لعبة صناعة النجم، ودور الإعلام في تلميع بعض الأسماء، يغدو «مزحة سمجة»، أو خرافة، لدى التمعن في أداء بعض الممثلين الذين يتمتعون بحضور محبب، ويستطيعون تجسيد الأدوار المختلفة، ويرافقهم هاجس دائم في المزيد من الارتقاء، وانتزاع الدهشة. لا نبالغ إذا قلنا إن الفنان السوري بسام كوسا ينتمي إلى هذه النوعية النادرة من الفنانين، فمنذ أدواره الأولى وحتى اللحظة استطاع هذا الفنان، المتخرج من كلية الفنون الجميلة، أن يرسم شخصيات متقنة على الشاشتين: السينما والتلفزيون، ومن دون تنميط في دور معين دون آخر. بل برع في تجسيد أدوار متباينة، وتمكن من إعطاء كل شخصية، وفقاً لمكانتها وطبيعتها، حقها سواء عبر نبرة الحوار، أو الحركة فضلاً عن السمات الفيزيولوجية التي تتبدى في ملامح الوجه، وفي نظرات العيون... في الموسم الرمضاني الذي انتهى للتو، ظهر بسام كوسا في عملين هما «سحابة صيف» و «زمن العار». في العمل الأول جسّد شخصية لاجئ فلسطيني مسن، يقطن في إحدى مناطق العشوائيات المحيطة بدمشق، وهو يعيش على ذكرى ابنه الشهيد، ولا يمل من التدقيق في وثائق أرضه المحتلة، ولا تبارحه، أبداً، تلك الرغبة الخفية في العودة من جديد إلى مرابع الطفولة والصبا.. هذا الحنين الممض، وذلك الانتظار الطويل كانا باديين على ملامح وجهه المتغضن، وفي حركات جسده المنهك، وفي لهجته الفلسطينية ذات النكهة الخاصة، إذ أجاد في التعبير عن روح المنفى، بكل حمولتها النفسية والإنسانية، وعن هموم «اللاجئ»، وكأنه، فعلاً، «أبو حبيب» الذي مُزقت حياته وذهبت هباء، بينما ظلت عيونه القلقة ترقب العودة المؤجلة بلا كلل. في «زمن العار» يجسد بسام كوسا دور بائع كتب بسيط، يعاني من مشاكل عائلية، ويعيش في حالة بائسة مع ولديه ووالدته، بينما تتركه زوجته «المشاكسة». هنا أيضاً نجد الفنان يتقمص الدور إلى أبعد حد، وينجح في رسم تفاصيله الدقيقة، إذ بدا رجلاً مغلوباً على أمره، يعاني من تصرفات زوجته «الشرسة»، ويبحث عن تأمين أبسط مستلزمات العيش لأسرته الصغيرة. يرتبك في الحديث ويتحايل على الحياة، ويبحث عن التصالح مع الذات، لكن هموم الواقع أثقل بكثير من قدراته المحدودة... ورغم بساطة الشخصية، هنا، لكن بسام كوسا استطاع أن يضفي عليها بعداً درامياً جذاباً أظهر مقدار الغليان الذي يفور في روحها، والإحباط الذي يخنق يومياتها... فالمتابع لمسيرة هذا الفنان يدرك أن تجسيد الدور يستلزم طاقات، وأن التسليم بنجاحات سابقة يغلق أبواب النجاح، وأن ظاهرة صناعة النجم، التي يعوّل عليها فنانون فاشلون، هي أشبه ب «فقاعة صابون»، اذ لا يبقى سوى ذلك الفنان الذي يصنع نجوميته بموهبته، وبأناقته في التقاط التفاصيل، حتى ينسى نفسه ويذوب، تماماً، في الشخصية الدرامية.