أي راهن للسينما العربية؟! وماذا نقصد بالراهن؟ هل توجد سينما عربية موحدة الهوية؟ ما إشكالية قراءة تاريخ السينما العربية؟ هل فقط كونها قراءة انتقائية؟ لماذا لم تنجح دولة في عراقة مصر في أن تحمي كثيراً من إنتاجها السينمائي من الوقوع في فخ الأفلام التجارية السطحية؟ ما معيار الجودة والقيمة، الموضوع أم الشكل الفني؟ ومن يحدده، الناقد النخبوي أم الجمهور؟ ولماذا نقلل من شأن أفلام جماهيرية أو شعبوية مثل «اللمبي»؟ أليست الجودة شيئاً نسبياً؟ ما الفرق بين الفيلم السينمائي والتلفزيوني؟ ولماذا نقلل من أهمية وقيمة الأخير؟ هل أُعلنت حرب الشاشتين فصارتا متناحرتين؟ أ لم يُقدم فاسبندر أعمالاً للتلفزيون بلغة سينمائية مثلما فعل روسلليني وفيلليني اللذان قدما أعمالاً للتلفزيون تم في ما بعد تحويلها إلى 35 مم وعرضت سينمائياً؟ بيرغمان هو الآخر ألم يُقدم أعمالاً للتلفزيون ثم اختصر بعضها وحولها لشريط سينمائي مثل فيلمه «مشاهد من الحياة الزوجية»؟ علامات الاستفهام السابقة وغيرها عشرات من المداخلات، والآراء المؤيدة أو المختلفة كانت نتاج حال من العصف الذهني أعقبت مناقشة أكثر من عشرين دراسة قدمها بها كتاب وباحثون أكاديميون ومؤلفون موسيقيون ونقاد سينمائيون ومن بينهم كاتبة هذه السطور ببحثها عن السينما وصورتها بين الكراهية والتحريم وقدرة السينما على تجاوز تلك الخلافات الفقهية والفكرية التي طاولت الفنون جميعاً. وذلك في إطار ندوة «السينما العربية: تاريخها ومستقبلها ودورها النهضوي» التي أُقيمت في تونس تحت إشراف الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس ونظّمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي في الإسكندرية وذلك على مدار ثلاثة أيام خلال الأسبوعين الأخيرين من العام المنتهي. تنوع تنوعت البحوث المشاركة في الندوة، والتي ستضمها قريباً ضفتا كتاب، فشملت عناوين مثل: «راهن السينما العربية» للناقد اللبناني نديم جرجورة، والذي تناول فيها في شكل أساس «التجديدي في مواجهة التقليدي»، وكيف أن بعض دول، على رغم عراقة زمنها السينمائي مثل مصر، لم تُحصَّن كثيراً من نتاجاتها من الوقوع في الاستسهال والتسطيح والتجهيل والفوضى، بينما كانت بلدان أخرى في غربة عن السينما – مثل دول الخليج وفي مقدمها الإمارات - أخذت تحتضن تجارب ومحاولات سينمائية جديدة وكأنها تنقلب على أقدارها. أثار بحث «جرجورة» كثيراً من النقاش وانتقد البعض عدم اهتمامه بتجربة الديجيتال ودورها، وتركيزه على التجربة الإماراتية متجاهلاً سينمات أخرى، منها الأقليات كما هي الحال مع السينما الكردية الناطقة بغير العربية في مناخ عربي وفي شكل خاص في العراق، إذ تكشف عن تطور ملحوظ بينما السينما العراقية ذاتها لا تزال تنمو ببطء، وذلك وفق رأي الناقد العراقي قيس قاسم والذي اقترب فيه من إشارة إبراهيم العريس إلى أن الأقليات في الوطن العربي هي من أسست السينما، فالمرأة واليهود والأرمن أقليات ساهمت بدور بارز في هذا الصدد. وعلى رغم ذلك دافع العريس عن بحث جرجورة مؤكداً أن أهميته تكمن في المسكوت عنه. في حين تحدث الناقد الفلسطيني بشار إبراهيم عن «حصيلة القرن الأول من عمر السينما العربية»، وتطرق الناقد المغربي مصطفى المسناوي إلى إشكالية التأريخ في السينما العربية، بينما شارك المخرج العراقي قيس الزبيدي بدراسة عن السينما والتلفزيون. وجاءت مساهمة فيكتور سحاب ببحث عن السينما والنص الموسيقي، فيما قدم الموسيقي اللامع نصير شمة مداخلة قيمة عن الموسيقى التصويرية وتجربته في تأليف موسيقى الأفلام. وأثار كمال الرياحي مجدداً إشكالية السينما والنص الأدبي من خلال تحليل فيلمي «الكيت كات» و«الخبز الحافي»، ما أعاد فتح النقاش حول أدبية السيناريو المكتوب رأساً للسينما وهل يمكن اعتباره جنساً أدبياً خاصاً؟ مثلما أثير الجدل حول سطوة النص وسلطة المخرج؟ ومتى يكون المخرج وفياً للنص ومتى يخونه؟ شغف يوسف شاهين على صعيد آخر تناول علي سفر في بحثه «السينما المستقلة واحتمالاتها في ظل واقع عربي متغير»، علاقتها بالجمهور وبالمشروع الفني الثقافي السياسي، مستشهداً بالتجربتين المصرية والسورية. وقدم خليل الدمون رؤيته للمسار الجديد للسينما في المغرب في ظل التمويل والإنتاج المشترك خلال السنوات العشر الأخيرة، وتناول أستاذ الفلسفة محمد نور الدين آفاية المراوحة بين سينما القضايا وسينما الفرد، متطرقاً إلى اكتشاف الذات والشغف العنيف عند يوسف شاهين من خلال فيلمه «إسكندرية ليه»، وإلى تمزّقات الذات ومفارقات الآخر في الوجود المغاربي من خلال «وشم في الذاكرة» للمخرج التونسي رضا الباهي. في حين تطرق صباح ياسين إلى السينما العربية من زاوية الإعلام والأنساق التعبيرية. أما موليم العروسي فحمل بحثه عنوان «مَنْ صنع مَنْ: السينما والمتفرجون؟». إضافة إلى ما سبق، قدمت المخرجة المصرية المقيمة في ألمانيا فيولا شفيق محاضرة ممتعة سينمائياً مصحوبة بلقطات مشهدية من أفلام اعتبرتها ثورية، على ضوء أحداث «الربيع العربي»، لا سيما في تونس ومصر، استهلتها بتساؤل جوهري: هل توجد سينما ثورية أم لا؟ ثم عادت إلى أول أعمال وُصفت بأنها ثورية مثل Battleship Potemkin لسيرغي آيزنشتاين (1925) أو Man with a Movie Camera لدزيغا فيروتوف (1929) «اللذين أنتجا بعد مرور عقد على اندلاع الثورة الروسية، وبهما غيّر المخرجان السوفياتيان المفهوم المادّي لتصادم الأضّداد من خلال الشكل لا من خلال المضمون، وطوّرا - كما تجلّى في مونتاج الفيلم - مفهوماً مناقضاً لوحدتي الزمان والمكان». وأكدت شفيق أنه «ليس كل من يزعم أنه ثوري هو ثوري بالضرورة، كما في حال فيلم «18 يوماً»، فقد أخذت غالبية الأفلام السينمائية التي أُنتجت في مصر وتونس منذ اندلاع الاضطرابات وعالجت الثورة نفسها، شكل أفلام وصفية أو كلاسيكية بطريقة أو بأخرى»، أما الاستثناءات الثورية حقاً فهي قليلة وفي مقدمها - بإجماع الحضور - فيلم «الخروج للنهار» للمصرية هالة لطفي. وفي إطار آخر، جاءت دراسة إبراهيم العريس كتحية للسينما المصرية ولدور المخرج فيها، إذ ينتصر العريس لفكرة أن التاريخ الحقيقي للسينمات العربية هو تاريخ المخرجين، فمنذ محمد كريم وصولاً إلى أفلام يوسف شاهين ويسري نصرالله ومحمد خان وخيري بشارة، مروراً بأفلام الواقعية الأولى، وأفلام المغامرات والكوميديات الموسيقية - قطعاً مع وجود استثناءات - عرف المخرج كيف يكون نجماً في السينما المصرية. عرف كيف يربط باسمه فيلماً أو تياراً أو مرحلة. ولم يكن من قبيل المصادفة أن يصرّ حسن الإمام على أن تحمل ملصقات أفلامه العبارة الخالدة «فيلم من إخراج مخرج الروائع حسن الإمام». في الوقت نفسه لم يغفل العريس ذلك الصراع الذي دار طوال النصف الثاني من الأربعينات والخمسينات بين دورين متناقضين للمخرج، انتهى – في تقديره - بانتصار دور المخرج كفنان مجدد ومبتكر، موضحاً «التبدل الأساسي الذي طرأ على دور المخرج الذي ينطلق من علامات جزئية مثل قدرة محمد خان على استخدام فن عادل إمام المتميز في «الحرّيف» في شكل يخرج عن الإطار المعتاد لعمل هذا الفنان، وتكفي المقارنة بين عادل إمام في «الحرّيف» أو في «اللعب مع الكبار» ودوره في «الإرهابي» حتى يتبدى الفارق جلياً بين إبداعية مخرج وحرفية زميل له». ربما تكون تلك المرة الأولى التي تتم فيها إقامة ندوة بهذا الحجم بعيداً من أي تنظيم أو دعم حكومي، لكن من المؤكد أنها المرة الأولى التي يهتم فيها مركز دراسات الوحدة العربية بالسينما، والهدف مزدوج وفق تصريح الدكتور رياض قاسم مدير عام المركز بالوكالة، إذ يحدد دافعين لذلك الاهتمام، أولهما، ما للسينما من تأثير في عملية البناء وغرس الوعي، وثانيهما النهج المعرفي والتنويري للمركز مستهدفاً العمل التنموي بمختلف أشكاله ومن بينها السينما العربية التي أصبحت ضرورة ثقافية وركناً أساسياً في تكوين الوعي العربي.