في مدينة تمور بالأحلام والعنف يسعى الشعراء إلى إحياء طقوسهم الشعرية بوصفها مغامرة لترسيخ حياة إنسانية وسط اجواء كالحة. مهرجان الجواهري الشعري في دورته العاشرة كان أكثر تعبيراً عن هذه المغامرة، إذ تم تنظيم هذا المهرجان من دون دعم حكومي أو وزاري وبحضور ثقافي وأكاديمي لافت من الشعراء والباحثين من كوردستان ومن مدن عراقية. يافطة المهرجان حملت شعار الوفاء للراحلين من الأدباء الذين غادروا عالمنا عام 2013 بسبب المرض والإهمال وأعمال العنف، وبلغ عددهم سبعة وعشرين بدءاً من القاص محمود عبد الوهاب والناقد علي عباس علوان والشاعر محمد علي الخفاجي وانتهاء برحيل شيركو بيكس وفلك الدين كاكائي وعبد الستار ناصر والشاعر حبيب النورس وغيرهم. شارك في هذا المهرجان الذي أقيم في المركز الثقافي البغدادي، شارع المتنبي، أكثر من مئتي شاعر وباحث وناقد على مدى ست أمسيات شعرية قرأ فيها أكثر من مئة شاعر من بغداد والمحافظات ومن إقليم كوردستان كشفت ظهور ملامح جيل جديد من الشعراء وهواجس عامرة بالتمرد والسخط وأسئلة الوجود، بعيداً من المألوفات الشعرية التقليدية. وأبرزت الأمسيات نزوعاً استعادياً عند بعض الشعراء نحو القصيدة العمودية بأغراضها الرومنطيقية والبكائية، وبنبريتها العالية ذات الإيقاعات المعروفة، والاستيهامات التعويضية التي تفترض قارئاً مسكوناً بالإصغاء إلى الخطاب الصوتي الذي كرسته الحروب والصراعات ومظاهر العنف الذي هيمن على يوميات الوقائع العراقية. شكلت الجلسات النقدية أبرز مظاهر هذا المهرجان، إذ شارك أربعة عشر ناقداً وباحثاً وأكاديمياً على مدى جلستين تضمنتا محورين مهمين، الأول عن قراءة ثقافية لأثر الشاعر الجواهري في التاريخ والشعر وتحولات الظاهرة الاجتماعية العراقية، والثاني دار حول استعادة الشاعر بدر شاكر السياب ثقافياً، بوصفه الشاعر الصانع الاستثنائي للأسئلة، ولمغامرة الكشف عن ظاهرته القلقة والمثيرة التي لامست أزمة الإنسان في حريته وفي وعيه الشقي وفي محنته إزاء الوجود والأيدولوجيا والمكان والمنفى. حاولت الأوراق التي كان كل كتّابها من النقاد الشباب التعاطي مع ظاهرة السياب الشعرية بوصفها ظاهرة مقروءة ومتراكمة في العقل الثقافي.