الخبر ال 61 عالميا ضمن قائمة المدن الذكية لعام 2025    استطلاع حول منتج استثماري جديد في السوق الموازية    الديوان الملكي: وفاة صاحب السمو الأمير عبدالله بن مساعد آل عبدالرحمن آل سعود    الدفاع الجوي يخرج السرية الثانية لنظام "ثاد" في قاعدة فورت بليس الأمريكية    أمير حائل يطلع على خطط وبرامج جمعية حضارات للتراث    القوات الخاصة للأمن البيئي تضبط مخالفين لنظام البيئة    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير عام فرع الأحوال المدنية بالمنطقة    أمير المدينة يستقبل قائد أمن المنشآت    تعليم الطائف يطلق البرنامج التدريبي التدريس المعتمد على المعايير في مقررات العلوم    الجامعة السعودية الإلكترونية تطلق أول مسرعة أعمال في تكنولوجيا الرياضة    رئاسة الافتاء تصدر كتابا علمياً عن خطر جريمة الرشوة على الفرد ومقدرات الوطن    الصحة القابضة والتجمعات الصحية تختتم حملة "صم بصحة" ب40 مليار خطوة و3.7 مليون فحص خلال رمضان    تدخل جراحي عاجل يُنقذ بصر طفل أصيب بألعاب نارية في عنيزة    رئيس وزراء جُزر سليمان يستقبل الرئيس التنفيذي ل «صندوق التنمية»    جميل للسيارات تتعاون مع شركة جي أيه سي لطرح مركبات الطاقة الجديدة في بولندا    أسماء الفائزين والشخصية الثقافية ل جائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال 19    أديرا" و"أرماح الرياضية" توحدان جهودهما لتقديم تجارب لياقة متميزة للضيوف    مصر وفرنسا توقعان سلسلة اتفاقيات للتعاون في قطاعات الصحة والنقل والصناعة    بطاريات جديدة مقاومة للحرارة تُحدث فارقًا في تخزين الطاقة    عسير في خريطة العمارة السعودية.. تعزيز لأصالة البناء وجماليات التصميم    انتظام أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة في مقاعد الدراسة بعد إجازة عيد الفطر المبارك    «سلمان للإغاثة» ينفذ 642 مشروعًا لدعم القطاع الصحي في 53 دولة    الخارجية الفلسطينية ترحب بمخرجات القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفرنسية في القاهرة    سحب رعدية ممطرة ورياح نشطة على عدة مناطق في المملكة    دوري عنيد    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر مارس 2025    لك حق تزعل    اتفاقات مع "قسد" في طريق التعافي بخطوات ثابتة.. سد تشرين والنفط تحت إدارة الدولة السورية    في أسبوع الصحة العالمي.. الأمومة والطفولة تحت الحصار والإبادة.. 90 % من الحوامل والمرضعات بالقطاع يعانين سوء تغذية حاد    6.8 مليون مسافر في ذروة العمرة عبر 4 مطارات بالمملكة    هل هناك رقم مقبول لعدد ضحايا حوادث المرور؟    "الحج" تحدد غرة ذي القعدة "آخر موعد".. و"الداخلية": 100 ألف ريال غرامة تأخر مغادرة الحجاج والمعتمرين    أمير جازان يشهد توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات المجتمعية.. تدشين حملة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للتوحد    الجسر البري السعودي يُشعل المنافسة بين الشركات العالمية    الهلال.. مجد تحول لأطلال    خسارة النصر.. تغربل الهلال قبل النخبة الآسيوية    نقاط التحول    الساعة    ماجد المصري: لم أتوقع نجاح "رجب الجرتلي" الشرير والحنون    في ظهوره الثاني هذا الموسم.. جماهير الاتحاد تشيد بمستوى الأسباني هيرنانديز في ديربي الغربية    "يلو 28".. قمة الوصافة وديربي حائل في أبرز مواجهات الجولة    موهبة عالمية جديدة على رادار الهلال    موجة تفشى الحصبة الحمراء في أمريكا    ماذا بعد العيد؟    "أكيارولي».. قرية إيطالية يشيخ سكانها دون أمراض    رجال الأمن صناع الأمان    الموظف واختبار القدرات    بين النصّ الورقي و الأرشفة الرقمية.. حوار مع إبراهيم جبران    حوارات فلسفية في تطوير الذات    أخضر الناشئين يعاود تدريباته بعد التأهل لكأس العالم    بين التقاليد والابتكار.. أين شريكة الحياة؟    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظِّم لقاء معايدة    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    استقبل ونائبه المهنئين بعيد الفطر.. المفتي: حريصون على نشر العلم الشرعي بالأحكام العامة والخاصة    صدح بالآذان 40 عاماً .. الموت يغيب المؤذن محمد سراج ليلة العيد    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    سمو أمير المنطقة الشرقية يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    أمير جازان يستقبل منسوبي الإمارة المهنئين بعيد الفطر المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا يغنّون للأسد...
نشر في الحياة يوم 06 - 01 - 2014

في منتصف 2011، عمّت التظاهرات الثوريّة الكبرى ساحات عددٍ من المدن السوريّة، وتناقلتها قنوات البثّ المباشر ونشرات الأخبار. وفي الوقت عينه، غطّت قنوات النظام احتفالاتٍ «مليونية» في ساحاتٍ أخرى، أحياها مغنّون كثرٌ، على خطٍ موازٍ للتصريحات الإعلامية والسياسية، والفعل الأمنيّ. فكان للأغنية الأسدية دورٌ نشطٌ يواكب البروباغاندا النظامية، ويعطي انطباعاتٍ لا تقلّ فداحةً عن كل ما يحصل، مما يستلزم فهم شيءٍ من جذورها.
فقد ساد في سورية البشّارية نمطان غنائيّان «جماهيريّان»، بعدما شاركت الطبقة الاقتصادية الجديدة، المكوّنة من أبناء الضباط والمسؤولين من الرعيل الحافظي الأول، بدعمهما على أغلفة المطبوعات التي يملكونها، والمهرجانات التي يرعونها، وعلى أثير إذاعاتهم المحليّة، مترافقةً مع استرخاءٍ ماديٍّ وإحساسٍ باستقرار السلطة لدى هذه النخب، فشاعت موضة تسويق «الأغنية السورية الحديثة».
يمثل النمط الأول «الأغنية الشبابية» الدارجة عربياً بلغتها العاطفية المكرّرة، وهي خارج إطار هذا الحديث، ويتشكل النمط الثاني من أغاني الكازينوات بما فيها من محتوىً غنائيٍّ ريفيٍّ لاقت صداها في وسائل المواصلات وعلى البسطات ومهاجع العساكر، تسمّى تارةً اللون الجبليّ، أو الأغنية الشعبية تارةً أخرى. وتتكون أدواتها من إيقاعاتٍ وجملٍ موسيقيةٍ راقصة، ولغةٍ لا تخلو من سوقيّةٍ في أحيانٍ كثيرة. من هذين الشكلين خرجت أغاني الساحات ومسيرات التأييد للرئيس في البداية، وركّزت في تلك الفترة على حبّ الوطن وقائده، لتسجل عشرات الأغاني في هذا الصدد، على وقع دبكة الشعب المقاوم وأصوات علي الديك وناصيف زيتون ونانسي زعبلاوي وآخرين تغزلوا بصمود الرئيس: «... رغم الهجمة والحصار/ القومية والعروبة/ حروفا بدمك مكتوبة/ فوق جبينك يا بشار»، على ما تفوّهت رويدا عطية يومها. فاتّسم معظم مغنّي تلك الفترة بكونهم ليسوا فقط مؤيّدين جدّيين للنظام، وأدواتٍ تسويقية له، بل إن نجومهم سطعت أساساً في عهده.
لكن، وكما يهذب المال لاعبي كرة القدم الفقراء، فعلت الشهرة مع نجومنا الجدد، من دون أن تنزع عنهم أصولهم وتطورهم. فصورة الوطن والمؤامرة صافية في أذهانهم، كما الخوف على المجد الذي حظوا به من الزوال، فهو جزءٌ أساسيٌّ من الهوية السورية الجديدة.
لكن، بعد أشهرٍ قليلةٍ، دخل عنصرٌ جديدٌ على هذه الأغاني، مع ازدياد التبجّح الرسميّ بالحسم العسكريّ وسحق «الإرهابيين»، وتزامناً مع وصول تأثيرات الثورة إلى قلب المدن الهانئة بالأمن والأمان الأسديّين، فباشر المغنون التغنّي بقوّة الجيش الذي حيّاه وفيق حبيب متغزّلاً بخطواته التي تهزّ أنحاء الأرض... لتتوالى بذلك الأغاني العسكرية مستحوذةً على ساعات عرضٍ في فضائيات النظام، وملبسةً البزّات العسكرية المكويّة لمغنّيها الممكيجين، ليكملوا لوحة الاحتقار الموجّهة نحو الطرف الآخر من الشعب، والذي لا يستحقّ سوى الدعس، بالتزامن مع بدء حملة تقديسٍ مرضيةٍ للبسطار العسكري، وصلت إلى درجة إقامة نصبٍ تذكاري له في بعض الشوارع العامة، فغنّى حسين الديك: «... جيشك بشار/ حامي هالدار/ ما بيرضى الذلة لا ولله ولا يهاب الغير...». وبعيداً من هدف رفع المعنويات والتجييش الشعبيّ المؤيّد الذي تلعبه هذه الأغاني، توحي الأغنية أية أغنية عموماً بشيءٍ من ثبات أو تخليد الموضوع الذي تتناوله، أو المحافظة على شعور الاستقرار وإدامته، وهذا ما يحتاجه النظام لتوزيعه على العقلية التشبيحية، تحققه أدوات اللغة بتفاهتها، وتربطه بالعاطفة والحماسة، على ما اعتاد المتفائلون بالخير من سمّيعتها أن يجترّوا.
لكن بالتأكيد لم تمنع آداب التعايش من إظهار الشخصية الحقيقية للمغنين ومن خلفهم من جمهورٍ ومؤسسات، فما يبدأ بتقديس عيون سورية الأسد وجيشها الباسل يصعب معرفة حدود نهايته.
وبعد مجزرة الكيماوي الشهيرة، لم يخفِ شارع النظام سعادته بما جرى، والذي اعتبره عقاباً عادلاً نزل بحق الرعاع المتمردين، ويحقق أقصى شروط استعراض القوة من طريق الإفناء. ولم يكن هذا إلا حصيلةً منطقيةً لتكدّس الضيق وتخمّر الفاشية. وهنا لم يتأخر وفيق حبيب في خلط الكيماوي مع عواطفه الجيّاشة، طالباً من حبيبه المزعوم أن يرشّ عليه الكيماوي بدلاً من فراقه، في أغنيةٍ ستضرب السوق، وتمزج الإبادة الجماعية بالحب، ليستهلكها جمهوره كظاهرةٍ عاديةٍ ليس فيها ما يثير الاستغراب، ولترقص على لحنها «حاضنة النظام الاجتماعية» في ما تبقى من الأعراس والحفلات: «إجرحلي قلبي ولا تداوي/ ورشّ عليّ الكيماوي». فلا ضير في أن يقفز الجميع فرحاً على لحن جثث الأعداء الجميل. ولا بأس من تشييد نصبٍ تذكاريٍّ للجريمة يخلّد قوتنا في بطش ذواتنا السكرى بالموت أو منتفعاته. وليُشطب قلق نسيان المذبحة من الذاكرة بعد صنع تمثالٍ لها يكوّنه الإيقاع ورثاثة المغنى، ويدور الجميع حوله بخدر.
المسألة تتعدّى الفن، إذا كان هذا ما يسمّونه... بل هي عن كل شيء. وسيتفكك الكيماويّ السوريّ في النهاية، فماذا سيستخدم الحبيب ضد حبيبه من أسلحة؟
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.