يرقد ال«ثمانيني» على فراشه، يعاني آلام المرض وأعراضه، تعاونه عليه خيبة الآمل من كدح الأعوام، فقد كان يؤمل بألا يفارق الدنيا إلا وأولاده في سعة ورغد من العيش، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، ليرى أن ما سيخلفه لبنيه: مزرعة صغيرة، ومعاملة في إحدى الجهات الحكومية رافقته نصف عمره تقريباً. قصة هذا الرجل باختصار، أنه ترعرع في المزرعة التي ورثها من والده في ما بعد، وفي حدود العام 1390ه، اقتطع أحد الطرق السريعة جزءاً من المزرعة، ولضرورة استخراج حجة الاستحكام، أُجبر هذا العامي من الجهة المشرفة على الطريق على توقيع إقرار بأن الطريق لا يمر بالمزرعة، وأفهمه الموظف أنه لا يمكن أن يُرسل خطاب بالموافقة إلى القاضي إلا بعد توقيع الإقرار، وبعد استخراج حجة الاستحكام رفضت الجهة الإدارية تعويضه عن المقتطع من مزرعته، بحجة أنه مُقر خطياً بأن الطريق لا يمر بالمزرعة، على رغم أن الجهة الإدارية بمعداتها هي من اقتلعت الأشجار المغروسة لمصلحة الطريق. القصة تتكرر بأشكال مختلفة، فبعض مستخلصات المقاولين لا تُصرف إلا بإقرار بصحة خصومات جهة الإدارة، ويُجبر بعض الراغبين في الوظيفة على توقيع إقرارات وتعهدات بعدم المطالبة ببعض حقوقهم الوظيفية المقرّة نظاماً. هذه الإقرارات والتنازلات والتعهدات التي لم يقرها النظام لا قيمة لها في الحقيقة لما يشوب ركن الرضا من عيوب، فالمحاكم الإدارية بدورها أنصفت الكثير ممن تعرضوا للمساومة على حقوقهم من مسؤولين لا يفرقون بين أشخاصهم وبين النظام، فيلجأون إلى الابتداع في النظام بالزيادة على ما فيه لحماية قراراتهم الإدارية. ما تفعله بعض الجهات الإدارية ينزع عنها صفة «الخصم الشريف»، فالأصل أن تصرفات الجهة الإدارية دافعها تطبيق النظام لا المواقف شخصية، ومن اعتضد بالنظام لا حاجة له لحماية تصرفاته بمستند غير نظامي. * القاضي بديوان المظالم سابقاً [email protected]