ترتبط مدينة الإسكندرية عبر تاريخها وواقعها الحضاري والثقافي برموز وأشخاص يمثلون ملامح النسيج الحي لطبيعة هذه المدينة الثقافية. ولا شك في أن الفنان السكندري عصمت دواستاشي، يعتبر من أبرز الرموز والأشخاص الذين يمثلون روح هذه المدينة المتوسطية. هو فنان تمتد دائرة إهتماماته وميوله لتشمل الكتابة إلى جانب الرسم الذي يعتبره عشقه الأول، ولا يطيق الإبتعاد عن مدينته كغيره من أبناء الإسكندرية، لذا لا يتحمل البقاء في القاهرة التي يزورها من وقت الى آخر. ولم تمتد زيارته الأخيرة لها لأكثر من يومين، كانا كافيين لإفتتاح معرضه المقام في متحف الفن المصري الحديث تحت عنوان «الفنان والأستاذ... حوار أجيال». زيارة خاطفة كما يقولون، كتب بعدها على «فايسبوك» أنه لن يعاود السفر إليها مرة أخرى. فهو يرى أنها تصبغ معظم فنانيها ومبدعيها بصبغة قاتمة ثقيلة أنانية وانتهازية إلى حد كبير، وقلة هي التي تنجو من تأثيرها المدمر هذا. جاء داوستاشي إلى القاهرة لعرض أعماله الأخيرة جنباً إلى جنب مع أحد أكثر الرموز الفنية المؤثرة في تجربته وفي وجدانه، وهي الفنانة المصرية عفت ناجي التي رحلت عام 1994 عن 90 سنة. الفنان والأستاذ، هي فكرة مختلفة يتبناها القائمون على قاعة «أبعاد» من أجل تسليط الضوء على عدد من تجارب الفنانين المصريين المعاصرين وعلاقاتهم بمن سبقوهم من رواد كان لهم تأثيرهم الإيجابي على أعمالهم وتجاربهم الفنية. ووقع الاختيار على داوستاشي وناجي، لما تتمتع به تجربتهما من روابط على المستويين الإنساني والإبداعي، فكلاهما يتبنى الحالة المتمردة الساعية إلى التجريب، والباحثة عن صياغات بنائية جديدة للعمل الفني، تعتمد على وسائط عدة، من دون الخضوع لأطر محددة ومقيدة. اللوحة في أعمال عفت ناجي هي مساحة مفتوحة للتجريب في الخامة من طريق الكولاج، وغيرها من الإضافات التي لم تكن مألوفة من قبل. صاغت فنها باستخدام العناصر المتاحة من حولها، قطع أخشاب، خيوط، ورق مقوّى، عرائس ودمى أو أي شيء يخدم الفكرة التي تريدها. واقترب داوستاشي من عالم عفت ناجي في بداية تجربته الفنية، وتأثر بها كما يقول وبزوجها رائد دراسات الفنون الشعبية الفنان سعد الخادم، وشقيقها رائد فن التصوير الحديث في مصر الفنان محمد ناجي الذي لم يلتق به، لكن داوستاشي كتب عنه وعنهم عدداً من أهم الكتب والدراسات الفنية التي أصدرها على نفقته الخاصة. لم يقلدها كما يقول ولكنه استلهم منها روح التوهج الإبداعي وأخذ عنها ولعها بالتراث المصري والفنون الشعبية، وهما مدرسته الفنية الحقيقية منذ بداياته في ستينات القرن الماضي. ويقدم داوستاشي في المعرض 14 لوحة تحت عنوان «لوحات قبل ثورة 30 يونيو وبعدها»، وهي امتداد لمجموعة أعماله التي ترصد مجريات الأحداث في الساحة المصرية بعد ثورة يناير. وبين الأعمال أربع لوحات كبيرة من مجموعة «الفتاة والشيخ»، وهي من وحي حالة مصر أثناء حكم الإخوان، إضافة إلى عشرة أعمال من مجموعة «السهم الجديد» تعبر عن الحالة الثورية.