مع اعتقال السلطات الإيرانية رجل الأعمال بابك زنجاني، تكون قضية الفساد المتفجرة في تركيا قفزت إلى طهران من طريق شريكه رضا صراف الموقوف في إسطنبول منذ 17/12/2013 في إطار فضيحة الفساد التي طاولت وزراء في الحكومة التركية وأدت إلى تعديل وزاري مبكر شمل عشر وزارات. وهذا في حين ضمت القائمة الثانية من الاعتقالات التي تم إيقاف تنفيذها بأوامر من رئيس الوزراء التركي، صاحب سلسلة مراكز التسوق الأشهر في تركيا، «بيم» مصطفى لطيف طوبباش، المتهم في الولاياتالمتحدة بتمويل مجموعات إرهابية متصلة بالقاعدة. لو أن أردوغان واجه فضيحة الفساد التي وصلت إلى عتبة بيته من خلال ابنه بلال، بشجاعة رجل الدولة الذي يغلّب الاعتبارات الوطنية على المصالح الحزبية والشخصية الضيقة، بدلاً من التدخل الفظ في سير العملية القضائية، لكان الرأي العام التركي منشغلاً اليوم بمؤامرة حقيقية تستهدف وزن تركيا ودورها الإقليمي، في إطار التفاهم الأميركي - الروسي حول إعادة ضبط التفاعلات الإقليمية الممتدة من إيران إلى مصر مروراً بالعراق وسورية ولبنان وتركيا والمجموعة الخليجية. هذا هو الوجه الآخر للصراع الضاري بين جماعة غولن وحكومة العدالة والتنمية. وعلى رغم كل ما كتب وقيل من تحليلات حول تراجع الدور الأميركي في المنطقة أو «خذلان» الولاياتالمتحدة للثورة السورية، تبدو إدارة أوباما القوة الأكثر فاعلية في الثورة السورية والتفاعلات الإقليمية والدولية المتصلة بها، واللاعب الممسك بجميع الخيوط من وراء ستار «النأي بالنفس» في سلوكها الظاهر. ها هنا جردة موجزة بما فعلته هذه الإدارة في الفترة الماضية: في صيف 2012 سيطر مقاتلو الجيش الحر على المعابر الحدودية واقتحموا مدينة حلب والأحياء الجنوبية في العاصمة دمشق بالتزامن مع انشقاقات مهمة في الجسم الصلب للنظام شملت العميد مناف طلاس المقرب من العائلة الحاكمة، ومع تفجير «خلية إدارة الأزمة» في دمشق الذي كان بين ضحاياها المهمين صهر رأس النظام اللواء آصف شوكت. لم تعرف إلى اليوم ملابسات ذلك التفجير، لكن مجموع عناصر المشهد الموصوف أعلاه كانت تشير إلى تراجع خطير في قدرة النظام على السيطرة الميدانية وعلى تماسكه الداخلي معاً. ولم يشكل تسليم قوات النظام مواقعها في الشمال لمصلحة قوات الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني رداً ميدانياً ذا جدوى على انكشاف ظهره في الشمال أمام السيناريوات التركية في شأن مناطق عازلة أو منطقة حظر جوي، أو تلك الفرنسية في شأن الممرات الإنسانية. صحيح أن بروز دور مقاتلي «الكردستاني» في الشمال ساهم في تعقيد الوضع الميداني وفي بروز تناقضات داخلية في البيئة الاجتماعية المتمردة على النظام، لكن الحقائق على الأرض كانت تشير إلى أن الشمال خرج من قبضة النظام الأمنية باستثناء جزر معزولة لقواته باتت بحاجة إلى تزويدها جواً بالغذاء والذخائر لتصمد في وجه محيط معاد. هنا دخل العامل الأميركي على الخط ولجم أحلام تركياوفرنسا الجامحة بصدد إسقاط سريع لنظام دمشق. وحين أعلن أوباما عن نيته توجيه ضربة تأديبية محدودة للنظام عقاباً له على ضرب الغوطة بالسلاح الكيماوي، اندفع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ليعلن عن مشاركة بلاده في ضرب سفاح دمشق. ثم، فجأةً، وفيما المناقشات جارية في الكونغرس حول شرعية الضربة من عدمها، أعلن أوباما عن إلغاء الضربة مقابل تفكيك السلاح الكيماوي السوري، ليسمع رئيس الدولة العظمى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، فرنسا، بالاتفاق الأميركي – الروسي من وسائل الإعلام! وجدت السعودية نفسها في موقف مماثل لدى سماعها بالمفاوضات السرية الطويلة بين الولاياتالمتحدةوإيران التي انتهت، قبل شهرين، إلى الاتفاق الإيراني الغربي حول ملف إيران النووي. وما زال المحللون متحيرين حول كنه ما تحت الطاولة من التوافق الأميركي - الإيراني. هل يقتصر على تفكيك البرنامج النووي الإيراني أم يتعداه إلى النفوذ الإقليمي لإيران؟ وهل التغيير الذي جاء بحسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية الإسلامية سيقتصر على التخلص من المشروع النووي مقابل رفع جزئي للعقوبات القاسية وتسليم الولاياتالمتحدة بدور إيران الإقليمي، أم أن هذا الدور ذاته قد ينقلب إلى دور إيجابي من زاوية نظر المصالح الأميركية؟ وهل يستمر حزب الله في تدخله العسكري في سورية دعماً لقوات الأسد مع استمرار غض النظر الأميركي، أم أنه يتم تشجيعه على مواصلة التورط في المستنقع السوري لتكون نهايته هناك؟ وما معنى هذا التشابه الغريب بين هذا التورط وبين تورط نوري المالكي في حرب مفتوحة على محافظة الأنبار؟ وعلى رغم الانتقادات الخجولة التي وجهتها الإدارة الأميركية لانقلاب 3 تموز (يوليو) في مصر، فإنها تبدو مسلّمة بشرعية الحكم الجديد في القاهرة الذي نجح في شق مجتمع المصريين إلى فريقين متباغضين في حالة حرب إلغاء متبادل يمكن التكهن بمآلاته المأسوية إذا نظرنا إلى أحوال سورية ولبنان والعراق وتركيا. ولكن قبل هذا، كان لافتاً ذلك التزامن بين ثورة منتزه غازي في إسطنبول ضد حكومة أردوغان، وتنازل أمير قطر مع كامل فريقه الوزاري عن الحكم لمصلحة ابنه، وانقلاب وزير الدفاع المصري على الرئيس المنتخب محمد مرسي. واليوم، في الوقت الذي ترفع الإدارة الأميركية بعض عقوباتها الاقتصادية عن إيران، تتفجر فضيحة الفساد في تركيا، وفي القلب منها بنك خلق الحكومي التركي المتهم بالتحايل على تلك العقوبات من طريق بيع الذهب لطهران مقابل النفط والغاز الإيرانيين مما تشتريهما تركيا لاستهلاكها الداخلي. ويطلق الرئيس الإيراني حملة ضد المستفيدين من العقوبات الأميركية، ويصدف أن المستهدف على صلة برأس شبكة الفساد في تركيا نفسها. ولا نعرف بعد إلى أين يمكن أن يصل اتهام مالك سلسلة «بيم» التركي بتمويل إرهابيي القاعدة. كثيراً ما ننتقد نظرية المؤامرة، لكننا نفعل كل ما يلزم لنجاح مؤامرات حقيقية غالباً ما يمسك الطرف الأميركي بجميع خيوطها. * كاتب سوري