من وحي كتاب «أراوح حافية الأقدام» أنجز التلفزيون الفرنسي برنامجاً وثائقياً عن الشاعرة السورية المقيمة في باريس مرام المصري، منطلقاً من تجربتها الشعرية وما تمثله من مجاسرة بين ثقافتي الغرب والشرق. سعى الوثائقي «الشاعرة الحافية القدمين» الى تقديم بورتريه كامل عن حياة مرام وإبداعها وموقفها من القضايا التي يمر بها بلدها الى جانب الاحاطة بنظرتها الى الثقافة الأوروبية، والوسط الذي بدأت تتحرك داخله بعد انتقالها شابة من اللاذقية الى باريس، فحاول الوثائقي التقرب منها من خلال مزاوجة بين تسجيله ليومياتها في الغرب وعودة بالصورة المسجلة والوثيقة الى الماضي والى الطفولة التي أحبتها كثيراً وأثرت في نفسها. أحبت مرام عالمها الأسري المحصور والحميمي، في بلدتها الساحلية الأولى، اللاذقية، وكثيراً ما كانت تعود اليها بإعتبارها موطن الذكريات الحلوة، والحب الأول والمدرسة الأولى والتجوال على ضفاف الساحل وقت الغروب. لقد منح المناخ الأسري المحب، الشاعرة قوة داخلية واستعداداً لتجاوز ال»غيتوات» الاجتماعية، فأحبت وهي في التاسعة عشرة، شاباً مسيحياً وكانت هذه الخطوة أولى «ثوراتها» التي ستنتهي بالشعر ومغامراته. درست مرام الانكليزية في دمشق وكتبت الشعر مبكراً فالشعر بالنسبة اليها «ثورة» أيضاً، حين تكتبه فتاة شرقية. أما مصيرها فقررته المصادفات، فالشابة التي أحبت الانكليزية ستجد نفسها في فرنسا تتعلم لغة ثانية والبلد الذي زارته كمحطة انتقالية أمضت فيه بقية حياتها، اذ تزوجت وأنجبت أطفالاً فيه. «صار الوطن الذي زرته موقتاً وطني، وصرت مثل شجرة استوائية غُرست من دون جذور في الأرض»، ومع هذا أثمرت. تتوقف مرام عند محطات مهمة في حياتها: زواجها مرتين، أطفالها، اندماجها، وتجربتها الشعرية بعد انقطاع، وانغماسها كناشطة في الفعاليات والتظاهرات التي تنادي بوقف حمامات الدم في سورية. الانتقالات بين محطة وأخرى من حياتها سجلتها عدسة البرنامج بروح شعرية اختلطت فيها الموسيقى الشرقية بالشعر وبالصورة المعبّرة عن الإحساس العميق في التوزع بين عالمين: الانثوي والانساني العام. وتوقف البرنامج كثيراً عند كتابها «أرواح حافية الاقدام» لما يمثله من موقف ضد كل أشكال العنف المسلط ضد المرأة. لقد سجلت فيه شهادات نساء تعرضن للعنف من أزواجهن، وحولته بريشتها الى قصائد حزينة تعبّر عن مقدار الأسى الكامن في أرواحهن. ويسجل البرنامج تنويعات على الشهادات، تعكس نشاطاً استثنائياً للشاعرة السورية في انحيازها الانثوي، يتقارب في اطاره العام مع نشاطها ومواقفها الاحتجاجية لما يجري في بلدها، منطلقة من حبها العميق له ومن رفضها في الوقت ذاته، للدمار الذي يجري فيه. تقول: «ما حدث في سورية أثّر فيّ كثيراً الى درجة تحولت فيها الى ناشطة. أخرج في التظاهرات أتحدث في الراديو، أنظم مسيرات الشوارع، لأن الموت والدمار الذي يجري له صلة بالناس الذين أعرفهم وفي الشوارع التي مررت بها كثيراً». وعن درجة اندماجها، هي التي تكتب بالفرنسية الآن، تقول مرام أشياء كثيرة، مثل تنازعها بين فرنسيتها وعربيتها، فعلى رغم ال 28 عاماً التي قضتها هناك تشعر أحياناً بأنها ليست فرنسية، كما تشعر في بلدها بأنها لم تعد سورية، فالأمر ليس بتلك السهولة التي قد يتصورها بعضهم «أنه أمر غاية في التعقيد». لا تتردد الشاعرة من مس أمور لها علاقة مباشرة بالشعر مثل: الجسد والجمال والخوف من فكرة «الشيخوخة» و»العجز»، والموقف مما تكتبه، فتشير من دون مجاملة الى مفارقات اصطدمت بها خلال زيارتها اسبانيا برفقة فريق العمل، لها صلة مباشرة بالموقف المسبق من الشرقي وثقافته. فكثير من منظمي الدعوات يترددون في ذكر أبيات من شعرها تقديراً لمخاوف في دواخلهم من انها قد تسبب لهم متاعب مع جهات رسمية في حين لم تواجهها مثل هذه المشكلة المتعلقة بالنصوص في بلدان عربية واسلامية زارتها وألقت قصائدها فيها من دون اعتراضات! لهذا تؤكد مرام «أن تكون المرأة الشرقية شاعرة فيه نوع من التحدي»، وأكثر منه تحدياً حين تكون عربية، وقد تدفع صاحبته ثمناً كبيراً لكنه لا يخلو من السعادة. «لا يمنح الشعر المال، لكنه يمنح الحب والأصدقاء، فأكبر إحساس بالسعادة أشعر به حين يكتب لي قرائي رسائلهم، فبالنسبة الي كتابة الشعر هي الرغبة الدائمة في الحياة والاستمتاع الدائم بطعم الحرية التي أعيشها هنا».