هذا عام «تشاؤم» ينقضي في العراق. الأزمة السياسية وتدهور الأمن سمتان تغلبان أيام 2013، لكن الحياة الثقافية في هذه البلاد حملت تناقضات جمة، ففي وقت كان المثقفون العراقيون ينشطون في مشروع «عاصمة الثقافة العربية»، ودّعوا كثيراً من زملائهم اختطفهم الموت. كان العام 2013 بالنسبة للمثقفين العراقيين عاماً للتعازي وتوديع أسماء لامعة في الشعر والمسرح والموسيقى والغناء. كانت البداية «حماسية» هذا العام، إذ حظيت الثقافة العراقية بفرصة غير مسبوقة منذ 2003، حين تحولت بغداد إلى عاصمة للثقافة العربية، وانشغل الجميع في محاولات إنجاح المشروع والاحتفاء بهذه الفرصة، التي وجدها كثيرون نادرة في بلد مضطرب بالعنف والفساد. ووفر المشروع إمكانات كبيرة لإنتاج عروض مسرحية وسينمائية، ومطبوعات في فنون مختلفة، ومعارض تشكيلية، وملتقيات عن الترجمة، وورش نقاشية في التاريخ والعلوم الإنسانية، ودخل صنّاع الثقافة العامَ 2013 وهم يحاولون الانخراط في فترة إنعاش للثقافة، وبدأوا ينتجون أعمالهم المخصصة للمشروع، لكن اللغط المثار بشأن إدارته عبر المؤسسة الحكومية، غطى على ما كان منتظراً ومأمولاً. بدأ الجدل مع افتتاح مشروع عاصمة الثقافة العربية في آذار (مارس) الماضي، حين خيمت أخبار متضاربة عن فساد في تمويل الحفل، أو المبالغة في الأموال التي صرفت عل حفلة الافتتاح، وكتب مثقفون عراقيون أن الحفلة لم تكن ترتقي إلى المناسبة، خصوصاً وأنها المرة الأولى التي تقام فيها منذ سقوط نظام صدام حسين، كما أن العروض التي تضمنتها الحفلة تعرضت لنقد حاد. ولكن مع مرور الوقت وانشغال المثقفين بأعمال «العاصمة الثقافية»، سقط جدل الافتتاح، لكن المثقفين ما لبثوا أن دخلوا في جدل آخر انطلق مع النصف الثاني من العام 2013. واختلف فريق من المشتغلين في الفن والأدب مع وزارة الثقافة بشأن إدارة «توزيع الأعمال الممولة من الدولة»، وظهرت اتهامات بالمحاباة وتفضيل فريق على آخر للعمل داخل المشروع. ومع ذلك، أنجزت وزارة الثقافة مع من اختارتهم، الكثير من الأعمال، وطبعت كتباً في الأدب والسيرة الذاتية والتاريخ والفنون، وأقيمت أسابيع مسرحية وسينمائية شهدت حضوراً عربياً لافتاً. وقد يكون «مهرجان بغداد الدولي الأول للمسرح» علامةً فارقة في هذا العام، نظراً للعروض التي قُدمت فيه، وما حملته من تنوع «مدرسي»، إلى جانب تمكُّنه من جذب جمهور غفير تواصل مع المسرح على الرغم من أنباء العنف في بغداد. ومهما كان الجدل محتدماً في الوسط الثقافي، فهو كان أهون بالنسبة إلى المثقفين العراقيين من توديع أو خسارة أسماء بارزة في الإنتاج الثقافي. ولما كانت هذه سنة الخسارات الثقافية، حيث بدأت برحيل الروائي العراقي عبد الستار ناصر، فهي أيضاً سنة للكشف عن استمرار إهمال المؤسسة الحكومية أشخاصاً قدموا الكثير للمشهد الثقافي على مدى عقود، انتهوا منسيين على فراش المرض، تحيطهم دعوات الرعاية التي لا تجد صداها سوى في مبادرات فردية لم تقو على إنقاذهم. آخر الراحلين بصمت كان الفنان فؤاد سالم، الذي صارع المرض في مستشفى في دمشق، ولم تتذكره السلطة سوى ببثت بيان «تعهدت فيه بنقل الجثمان إلى العراق». ومع إهمال السلطات مثقفيها، كانت المفخخات تلاحق فنانين عراقيين في شوارع بغداد، وواحدة منها اختطفت الفنان التشكيلي العراقي ياسين عطية، وهو من التشكيلين العراقيين الذين تركوا منفاهم في الدنمارك وعاد إلى بلده، ولكن استقبله الموت في أحد شوارع بغداد، حين جمعته الصدفة بتفجير عجلة ملغمة. وفقد الوسط الثقافي الكردي أسماءً مهمة على مستوى الشعر والأدب، إذ رحل هذا العام الشاعر والكاتب ووزير الثقافة السابق في اقليم كردستان، فلك الدين كاكائي، والشاعر الكردي شيركو بيكس، وبعد شهور هاجم متشددون حديقة أزادي في مدينة السليمانية (شمال) حيث قبر الشاعر، وحطموا شاهدته ولاذوا بالفرار. وخسر العراق أحد أهم صنّاع الفن الطباعي، الفنان ناظم رمزي، وهو مصمم وخطاط وفوتوغرافي، عرف عنه توثيق الحياة العراقيّة منذ الخمسينيات. ومع قائمة طويلة للراحلين عن المشهد الثقافي العراقي، ومنهم من ظل حبيس النسيان والإهمال، يرى كثيرون أن آخرين كثراً سيلتحقون بهم من دون أن تحاول المؤسسة الرسمية فعل إي شيء لإنقاذ من بلغ العمر والمرض منهم مأخذا كبيراً.