وثقتْ كاميرات مستشفى العرضي باليمن جريمة نكراء، نفوس مسلمة معصومة، الأصل فيها الحرمة، ازهقت بدم بارد. نسبت الجريمة لتنظيم القاعدة في اليمن، وأسرع إلى نفيها عنهم الذين ما زالوا يحسنون بهم الظن، ويرون أنهم على بعض الحق ظاهرين! كانت بشاعتها كافية في مسارعتهم إلى تبرئة القاعدة منها، لكنها اعترفت بأنها خطأ أحدهم، اعتذرت عنه بعذرٍ بارد سامج، فلم تزِد على أن أضافت قبحاً على قبح، وجهلاً على جهالة. خرج قاسم الريمي القيادي في تنظيم القاعدة باليمن ليعتذر عن الجريمة، فبدا كما لو كان ليعتذر عن كلمة نابية، أو عن مماطلة في حق مالي، أو نحو ذلك مما يذهب ضرره قريباً ثم يُنسى، لكن الذي بدا في اعتذاره السامج البارد قدرُ استخفاف القاعدة بحرمة دماء المسلمين، يستحلونها، أو يستخفون بها بأدنى تأويل، لا يقبله عقل، فضلاً عن شرع. ومع ما ظهر في الاعتذار من بلادة حس، وجهلٍ وجهالة، واستخفاف بالدماء، إلا أنه يُعَدُّ سابقةً في تاريخ القاعدة أن يخرج لنا أحدهم ليعتذر، ولم يكن لهم ليعتذروا لولا أن الجريمة الشنيعة كانت موثقةً بكاميرات المراقبة، ثم نشرُها الذي كان نشراً لفضيحة مدوية! كما بدا في الاعتذار جهل الرجل بحكم الشريعة، أو تجاهله لها في مسائل الجنايات، فهو لا يفرّق بين القتل العمد، والقتل الخطأ، إذ قاس جريمة صاحبهم في قتله لنفوس مسلمة معصومة عمداً وعدواناً بخطأ خالد في قتله من أسلمَ ظناً منه أنهم لم يسلموا. والفرق يدركه طويلب العلم، فقتلى المستشفى الأصل فيهم الإسلام وعصمة الدم، وهذا يقين لا يزول إلا بقين، في حين أن قتلى خالد رضي الله عنه كانوا كفاراً أصليين - أي لم يسلموا قط - ثم ظن أنهم ما زالوا على كفرهم، فمن هنا كان قتلُه إياهم خطأً، وقتل صاحبهم القاعدي لضحاياه عمداً وعدواناً، فالقياس إذاً قياسٌ مع الفارق الظاهر. ثم أعجبُ ممن يدعي الجهاد من أجل تطبيق الشريعة كيف لا يحكم في اتباعه بحكم الشريعة، التي توجب على هذا المجرم الأثيم القصاص، فكيف يسكت عنه ويحاول إسكات ذوي القتلى بالدية يسترضيهم بها؟ إن قدر استخفاف القاتل القاعدي بالدماء الذي أظهرته كاميرات المراقبة لم يكن خصيصة شخصية ينفرد بها من دون بقية أتباع القاعدة وقادتها، ولكنه شعور تلقفه وتربى عليه في محاضن القاعدة، فالقاعدة تربي أتباعها في أول ما تربيهم عليه الاستخفاف بالدماء والتوسع في التأوّل لأن مشروعهم يعتمد في كثير من أعماله على ضرورة هذا الاستخفاف. وعلى كل حال، فلم تكن جريمة مستشفى العرضي هي الجريمة البشعة الوحيدة في أيامها، فقد آلم اليمنيين، بل آلمنا جميعاً جريمة الطائرة بلا طيار الأميركية، التي قتلت 15 شخصاً، وأحالت فرحاً بريئاً مأتماً ومجزعاً، فهل ستعتذر الإدارة الأميركية عن هذا القتل الذي تزعمه خطأ؟ وهل ستعوض ذوي الضحايا؟ وهل لاقت هذه الجريمة الأخرى صدى استنكار واستبشاع في إعلامنا العربي؟ أم أن مجرد الاشتباه بأن يكون الضحايا من أتباع القاعدة كافٍ في استباحة دمائهم لأدنى احتمال؟ * أكاديمي في الشريعة. [email protected] samialmajed@