مرة أخرى، قالت الأحساء كلمتها المدوية في وجه الإرهاب، فالواحة التي عاشت قروناً من التسامح بين مكوناتها الطائفية والعائلية أحبطت مخططات خلايا الإرهاب في التمزق على أسس طائفية ومذهبية، مقدمة نموذجاً آخر من التآلف الذي طبع أبناءها، فبعد مضي أكثر من ثلاثة أسابيع على حادثة الأحساء، التي نفذها عدد من الإرهابيين ينتمي بعضهم لتنظيم «داعش» الإرهابي، استطاعت المملكة أن تقطع دابرهم بعد أن لاحقتهم في مختلف المناطق، هذا ما أكده بيان وزارة الداخلية الذي أُصدر مساء أمس (الإثنين)، متضمناً تفاصيل الجريمة الإرهابية التي وقعت في قرية الدالوة بمحافظة الأحساء وراح ضحيتها سبعة مواطنين، تم تشييع جثامينهم بحضور نحو 100 ألف مشيع، ليرسم حضورهم من مختلف مناطق المملكة لوحة وطنية، تجمعهم على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية وانتماءاتهم القبلية، كما لُفت نعوش الشهداء السبعة بالعلم السعودي الأخضر، والعلم ذاته كان يرفرف في أيدي آلاف المشيعين. وجاء في تفاصيل بيان وزارة الداخلية يوم أمس أنه «تم الكشف عن شبكة إجرامية يرتبط رأسها بتنظيم داعش الإرهابي الضال، إذ تلقى الأوامر من الخارج، وحُدد له الهدف والمستهدفون ووقت التنفيذ، والنص على أن يكون التنفيذ في منطقة الأحساء»، وكان عناصر تنظيم «داعش» أثبتوا ارتباطهم بهذه الحادثة بعد بثهم من خلال مُعرفات إخبارية خاصة بالتنظيم خبر وصول الإرهابي - الذي يُرجح أنه قاد الهجوم على حسينية الدالوة، وقتل خلال المواجهات مع رجال الأمن - إلى الموصل في العراق مساء اليوم الثاني لوقوع الحادثة الثلثاء، ووصول آخرين من الخلية إلى مناطق أخرى في سورية، وذلك لتشتيت رجال الأمن والتمويه حول موقع وجود بعض العناصر المشتبه بتنفيذهم العملية الإرهابية، إلا أن قوات الأمن تمكنت من رصد مواقع وجود الإرهابيين والقبض عليهم في مناطق عدة بالمملكة في وقت قياسي. كما جاء في البيان أن من بين عناصر هذه الشبكة الإجرامية 32 ممن سبق إطلاقهم بعد انتهاء مدة محكومياتهم، و15 من المطلقين وهم قيد المحاكمة وفقاً لأحكام النظام، وكان عضو لجنة المناصحة عبدالله السويلم أكد في تصريح سابق ل«الحياة» أن معدل من يعودون إلى ما كانوا عليه وينتمون للجماعات الإرهابية بعد مناصحتهم لا يزيد على 5 في المئة، مشيراً إلى دور لجان المناصحة في هداية الكثير من أصحاب الأفكار الضالة، وحول عودة الشبان بعد المناصحة إلى ما كانوا عليه، قال: «نحن لا ننظر إلى ثمرة العمل فهو بيد الله، بل هل هو مشروع أم لا، فإذا عملت الدولة ما عليها، والمناصحة عملت ما عليها، بعد ذلك ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بيّنة فذلك قدر الله». «لا فرق بين أبناء الوطن الواحد»، كانت هذه العبارة أشبه بدستور لم يخط، سار عليه كل أفراد المجتمع السعودي من أعلى مسؤول في البلد إلى أصغر مواطن، فكلهم اتفقوا على «أننا جسد واحد يشد بعضه بعضاً»، منددين بما وقع في «واحة النخيل» الجميلة، التي زاد جمالها بتكاتف أهلها وترابطهم.