كأن المنامة على موعد مع «الإعلام والسياسة، أيهما يؤثر في الآخر؟» ذلك العنوان العريض المخفي في ندوة جمعية الصحافيين البحرينية والمعلن بوضوح في المنتدى الخليجي الأول للإعلام السياسي، الذي انعقد أخيراً في المنامة برعاية نائب رئيس مجلس الوزراء البحريني الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة. على الجانب المخفي من العنوان تحدث الكاتب ورئيس التحرير المساعد لصحيفة «الحياة» جميل الذيابي، ليل أول من أمس، أمام جمعية الصحافيين البحرينية عن الاتحاد الخليجي وكيفية إخراجه من ولادة بدت صعبة على المتابع، بعد أن قررت سلطنة عمان البقاء في مجلس التعاون الخليجي والخروج من ترتيبات الاتحاد. وأكد الذيابي أن من يضع حواجز ومعوقات مستقبلية أمام الاتحاد الخليجي لا يعرف أن التحديات التي تواجه دول المنطقة تتطلب الوحدة والاتحاد، لافتاً إلى أن المنظومة الخليجية تتشابه في الأعراف والعادات والدين والدم، لذا لا يوجد ما يمنعها. وشدد على أن الاتحاد الخليجي لن يؤثر على السيادة أو استقلالية الدول، ويخطئ من يظن هذا، مشيراً إلى أنه ليس صحيحاً أن الاتحاد سيخضع أي دولة لهيمنة دولة كبرى. وحذّر الذيابي من أن عدم تحقيق الاتحاد الخليجي سيعد مؤشراً غير جيد في ظل المتغيرات التي تحيط بالمنطقة، وفي ظل الغزل بين واشنطن وطهران الذي بدأ منذ 2003. وقال إن منطقة الخليج ستظل في مهب الريح من دون اتخاذ قرارات قوية ومؤثرة كقيام الاتحاد الخليجي، لأن عدم اتخاذ مثل هذه القرارات يعد خطيئة سياسية كبيرة، مشدداً على أنه لا يمكن الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي في المنطقة إلا في حالة الانتظام في قرار يعبّر عن دول الخليج بشكل جماعي، لأن الاتحاد لن يؤثر في دولة دون أخرى ولكنه سيوحد المواقف، وسيسمح للمفوضية الخليجية المشتركة باتخاذ مواقف موحدة وتوفير حماية أمنية واحدة. ولفت إلى أنه ينبغي على دول الخليج إبراز قوتها من خلال الاتحاد، إذ سيسهم قيام الاتحاد الخليجي في تكوين اقتصاد قوي، ويجعل الخليج بين المراتب العشر الأكبر في اقتصاديات العالم، وعلى المستوى الاجتماعي سيصل عدد السكان إلى 47 مليون نسمة، كما تنتظم الجهود الثقافية في منظومة واحدة تعبّر عن المصير المشترك. وأكد الذيابي أن الشعوب الخليجية لديها رغبة في الاتحاد، والدليل على ذلك أن الهوية الخليجية أصبحت متعارفاً عليه، والهوية الخليجية موجودة لدى المواطن الخليجي، وعلى القادة تكسير البيروقراطية الموجودة في الممرات، التي وضعت عثرات كثيرة في طريق التكامل بين البلدان الخليجية، وعطلت مسيرة المشاريع المشتركة كالتعريفة الجمركية والربط الكهربائي والحدود، مشدداً على ضرورة تجاوز ما يثيره البعض من تفاوت المستوى المعيشي بين الدول الخليجية، مؤكداً أن الدول تُبنى بطموحات شعوبها، والمواطن شريك بالاقتراح والمبادرة، داعياً إلى استطلاع رأي المواطن الخليجي من خلال موقع الأمانة العامة لمجلس التعاون. ولفت إلى أنه يتوقع أن الاتحاد الكونفيديرالي سيبدأ ثنائياً أو ثلاثياً ثم يلحق به ثنائي آخر، ومن المبكر الحديث عن انسحاب سلطنة عمان. وفي شأن ما يطرحه البعض عن أن السعودية تريد الاتحاد من أجل الهيمنة العسكرية، قال الذيابي إن من يردد هذا الكلام لا يعرف منطق المنطقة، مذكراً بموقف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز خلال غزو العراق للكويت، حينما قال: «إما أن تعود الكويت أو تذهب السعودية معها»، وفي شباط (فبراير) 2011 عندما مرّت البحرين بالأزمة كانت السعودية حاضرة بقلبها وأمنها ودفاعها من أجل أن تصون شقيقتها الأخرى. وأضاف: نعرف أن هناك دولة جارة لديها رغبة في التوسع والنفوذ لبناء حلم الإمبراطورية الفارسية على حساب الدول الخليجية، لذلك فإن الاتحاد الخليجي سيعزز بناء كيان سياسي موحد، لأننا اليوم أمام مصير واحد ولا بد من أن يتعزز بهذا الاتحاد. واستطرد قائلاً: «المصير الواحد يحتّم علينا في هذه المرحلة الوفاق والتقارب، وأن نبني أنفسنا مجدداً، وأن نحصن أنفسنا ليس من الخارج ولكن من الداخل عبر الاطلاع على الأفكار الشعبية»، مشيداً بما حدث خلال القمة الخليجية الأخيرة في الكويت، مشيرا إلى أهمية الاستماع إلى رأي الكتّاب والمفكرين والمثقفين حتى تتحول أفكارهم إلى مشاريع. وأوضح أن الكونفيديرالية تبدأ بمعاهدة ثم تصل إلى دستور مشترك، وتبدأ بالدفاع المشترك، دونما المساس بالسيادة أو الاستقلال، مشدداً على أنه لا بد من وجود قوى في الخليج تنطلق بمبادرة الاتحاد من دون أن تنشغل بمن يرفض، وأن ما سماه بالمراهقة السياسية لا بد من أن تتوقف، لأن الشعوب تريد هذا الاتحاد والموارد موجودة ومتوافرة. وشدد الذيابي على أن الاتحاد الخليجي سيسهم في علاج مشكلات دول الخليج وعلى مشكلة الديموغرافية أو التركيبة السكانية، التي تعد بمثابة القنبلة الموقوتة، لأن الاتحاد سيحل الكثير من الأعباء الاقتصادية والوظيفية. وحول المخاوف التي ظهرت في بعض البلدان بعد التلويح بالاتحاد الخليجي، قال إن إيران تريد أن يكون مجلس التعاون هشاً مع سعيها إلى تطويق الخليج، لذا فإن الحالة الراهنة لا تحتمل تأجيل الحسم، وترحيل الحلول ولا بد من اكتمال المنظومة الخليجية بشكل يعبر عن الشعوب. وأكد الذيابي أن مجلس التعاون الخليجي لن يُلغى إذا ما قام الاتحاد الخليجي ثنائياً كان أو ثلاثياً، محذراً من أن السيناريو الأخطر هو تعثر مشروع الاتحاد أو التنصل منه والتفكير في إحداث شروخ في جسم الاتحاد قبل أن يقوم. مؤكداً في نهاية كلمته أن الاتحاد الخليجي قادم لا محالة، متوقعاً أن يشهد العام الجديد اجتماعاً حاسماً لتحديد كيفية قيام الاتحاد بعد أن تحدد المكان وبانتظار الزمان، بعد التصريحات التي خرجت من المسؤولين السعوديين، وما أعلنه ملك البحرين.