شاهد ملايين العرب، أطفالاً وراشدين، أحداث الفيلم التاريخي «فجر الإسلام»، الذي يُعد أحد أهم الكلاسيكيات الدينية في السينما العربية. ولا يزالون يتابعون من خلاله ما كان من ذكر الأصنام وآلهة قريش، وطبيعة الحج حول الكعبة قبل الإسلام الذي أصبح الحجيج بعد ظهوره يعجون برفع أصواتهم بالنداء «لبيك اللهم لبيك». وترد في الفيلم، الذي أنتج عام 1970 بإخراج من الفنان صلاح أبوسيف، عبارة يلفظها الحجيج وهم يطوفون حول البيت، وتستوقف كثيرين: «نحن غرابا عك». ماذا تعني العبارة التي تمثل لكثيرين شيفرة عاصية عن الحل، ومن هم القوم الذين كانوا يرددونها؟ يقول الدكتور الأستاذ في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة محمد متولي: «كان من عادات العرب في الجاهلية أن يتطوفوا بالكعبة، ولكل قبيلة منهم تلبية (ترنيمة، دعاء) خاصة بها، يأتي أفرادها من أجلها إلى الكعبة من شتى أنحاء الجزيرة العربية، ومن بينها تلبية قبيلة عك بن عدنان». ويضيف: «كان بنو عك إذا خرجوا للحج، قدَّموا أمامهم غلامين أسودين، يقولان أمام الركْب: «نحن غرابا عكّ» فتردد عك (القبيلة) من بعدهما: «عكّ إليك عانية، عبادك اليمانية، كيما نحج الثانية». وكان «فجر الإسلام» تناول الصراع بين المسلمين والمشركين بأسلوب جديد، عندما قدّمه على أنه بين التخلف والتقدم، وركز على المعاني الإنسانية النفسية والاجتماعية التي حملها الإسلام في مقابل الجاهلية. ويوضح متولي أن كتاب «الأصنام» لابن الكلبي يذكر أن أفراد القبائل العربية في الجاهلية أثناء طوافهم حول الكعبة كانوا يرددون تلبياتهم، ومنها عك. ويشرح متولي أن عبارة «عكّ إليك عانية، عبادك اليمانية، كيما نحج الثانية» بقوله: «غرابا: مثنى غراب؛ لأنهما عبدان أسودان، وأن «أغربة العرب» سودانهم، شُبِّهُوا بالأغربة في لونهم، وكلهم سَرَى إليهم السواد من أمهاتهم، ومن أشهر أغربة العرب في الجاهلية عنترة بن شداد وتأبط شرا والشنفري». ويتابع: «عك اسم قبيلة عك العربية، وكلمة عانية تعني ساجدة وخاضعة، وفي القرآن الكريم «وعنت الوجوه للحي القيوم»؛ واليمانية تدل على قبيلة عك من اليمن، وكيما: من «كي ما» أي لكي؛ وهكذا يكون المعنى الكامل للعبارة: «نحن قبيلة عك أصحاب البشرة الشديدة السمرة، جئنا إليك من اليمن ساجدين لكي نحج مرة أخرى». ويصور الفيلم ما كان عليه الناس في الجاهلية من انحلال خلقي وانحطاط عقلي وسيطرة للخرافات، إلى أن ظهر نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وكان من بين من آمن به ابن شيخ قبيلة من القبائل الواقعة بين مكة والمدينة، والذي بدوره راح يدعو قبيلته إلى هذا الدين الجديد. وحينها قام صراع بين الجيلين الجديد والقديم، الجيل الذي يتطلع للنهوض بالحق والآخر الذي يتمسك بالباطل.