على رغم أن السكن يعتبر حقاً لكل الطلاب المسجلين رسمياً في مؤسسات التعليم المغربي من جامعات ومدارس ومعاهد التعليم العالي، إلا أن جزءاً غير قليل منهم يجد نفسه محروماً من هذه الخدمة العامة، إما بذريعة محدودية الأسرّة الشاغرة في الأقسام الداخلية، أو ارتفاع الطلب مقابل العرض الذي تقدمه الأحياء الجامعية. هذا ووصلت أسعار إيجار المنازل المحيطة بالجامعات في مدن مغربية إلى مستويات قياسية في عز موسم الدخول الجامعي، وهو ارتفاع يفسره الطلاب بارتفاع الطلب على السكن، حيث أن أعداد الوافدين الى الكليات المختلفة والمؤسسات العليا التابعة لها في تزايد مستمر. ومن الأسباب التي رفعت الأسعار، وفق طلاب آخرين، دخول السماسرة على الخط، فالعديد من الملاكين يضعون منازلهم رهن إشارة سماسرة. فيقوم هؤلاء بالاتفاق في ما بينهم لرفع الأسعار، مستغلين فرصة الطلب المتزايد من قبل الطلاب القادمين من خارج مدينة الرباط مثلاً. ويدفع ذلك بالطلاب الى التشارك في السكن ضمن مجموعات قد تصل أحياناً إلى 8 أشخاص، أو اختيار مساكن في أحياء بعيدة يضطرون معها إلى تحمل أعباء المواصلات، أو حتى السكن في أحياء لا تصلها الخدمات بشكل منتظم. صعوبة ولوج الأحياء الجامعية وأثمنة الكراء الفاحشة تعطل الطلاب عن متابعة دراستهم، فكلما لاحت بداية السنة الدراسية في الأفق، تستمر معاناة الطلاب الوافدين مثلاً على الرباط واكتواؤهم بنارين، نار الحصول على مقعد بمدّرجات الجامعة، ونار الظفر بسرير في أحد الأحياء الجامعية يقيهم خطر التشرد أو القبول بصفقة إيجار لا تستطيع إمكاناتهم المادية القيام بها. فيجري البحث عن مكان لقضاء ليالي الدراسة وتذوق مسار الحياة الجامعية التي لا تكتمل إلا مع السكن الطلابي ومعاناة الدخول والإقامة والإشعارات المفاجئة بالإغلاق. وحظيت معاناة الطلاب المقيمين في الأحياء الجامعية باهتمام بعض البرلمانيين الذين تطرقوا الى الوضعية المتردية التي يعيشها مختلف الفضاءات الطلابية، سواء على مستوى جودة المباني أو على مستوى الطاقة الاستيعابية للطلاب الذين يزداد عددهم سنة بعد الأخرى، مطالبين بمعرفة الإجراءات التي ستتخذ لتحسين الوضع ورفع الطاقة الاستيعابية. الوزيرة المنتدبة في التعليم العالي سمية بن خلدون تحدثت عن البرنامج الذي وضعته الوزارة مع المكتب الوطني للأعمال الجامعية والاجتماعية الذي يهدف الى رفع الطاقة الإيوائية في أفق سنة 2015 ب50 في المئة، حيث انتقل عدد الأسرّة من 41 ألف سرير في 2012 الى 48 ألف سرير حالياً، لافتة إلى إجراء أعمال صيانة خصصت لها ميزانية 510 ملايين درهم لتجديد الفرشات وتجهيز الغرف. وطالب البرلمانيون بالاطلاع على الواقع وليس لغة الأرقام، لأن الطلاب يعيشون المعاناة داخل تلك الأحياء، وأعطوا أمثلة من بينها الحي الجامعي بمدينة وجدة، التي قام بزيارتها أحد البرلمانيين وعاين واقع الطلاب الذين يأتون من مدن أخرى بعيدة وفقيرة، ومنهم من لا يجد مكاناً يسكن فيه. ودعت هيئات طلابية، المنظمات الحقوقيّة إلى زيارة الأحياء الجامعية للوقوف على وضعيتها، التي وصفتها بالمزرية و «المفتقرة للشروط والمقومات المتعارف عليها دولياً»، متحدثة عن الاستجابة ل14 ألف طلب للسكن، من أصل 44 ألف طلب، بحسب تصريحات رسمية، وهي «نسب متدنية جداً، بغض النظر عن طريقة الانتقاء ومصداقيتها». وشددت الهيئات على «هشاشة البنية التحتية وعدم أهلية بعضها للسكن وافتقارها للمطاعم والمستوصفات والصيدليات المستعجلة والحمامات ومكتبات التحصيل»، وهو ما وصفته ب «الواقع المرير»، فوضعية الأحياء الجامعية -وفق ناشطين حقوقيين- هي صورة مصغرة للواقع البائس الذي تعيشه الجامعة المغربية جراء سياسة التهميش والإبعاد، وذلك على رغم الوعود التي جاءت بها الإصلاحات الارتجالية المتتالية، والتي كان آخرها ما سمي بمخطط «البرنامج الاستعجالي». واعتبر هؤلاء الأحياء الجامعية ضحية الإصلاحات الفاشلة، إذ أصبحت تعيش تردياً مستمراً على مستوى البنية والتجهيز والإدارة، فعلى مستوى البنية لا زالت شبكة الأحياء الجامعية تضم 19 وحدة فقط موزعة بطريقة غير متوازنة بين المدن الجامعية، وتؤوي حوالى 35 ألف طالب، بمعدل أقل من 10 في المائة من الطلاب. ويذكر أن 48 في المئة من سكان المدن الجامعية هم من الأرياف ولا يملكون خيارات أخرى للسكن، سيما مع غياب أي إجراءات لدعم الطلاب القاطنين خارج الأحياء الجامعية. والأمر نفسه ينسحب على التغذية، حيث تقتصر الأحياء الجامعية المجهزة بمطاعم تقدم وجبتين هي 10 من أصل 19 فقط.