أفاقت تركيا أمس، على موجة جديدة من الاعتقالات هزّت الأوساط السياسية والاقتصادية، بعدما تبيّن أن بين الموقوفين المتهمين بفساد مالي، أبناء ثلاثة وزراء وبعضاً من أبرز رجال الأعمال المقربين من الحكومة وبيروقراطيين في مصارف الدولة وبلديات تابعة لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم. وسارعت المعارضة إلى دعوة حكومة رجب طيب أردوغان إلى الاستقالة فوراً، واتهمتها بالتستر على الفساد ودعمه، فيما سرت تحليلات سياسية عن «حرب مستعرة» بين الحكومة وجماعة فتح الله غولين الدينية، بعدما تحالفا ضد الجيش سابقاً. ونفذت الشرطة التابعة لقسم مكافحة الفساد المالي، حملات دهم واعتقالات في أنقرةواسطنبول طاولت 27 شخصاً، بينهم أبناء وزراء الداخلية معمر غولر والاقتصاد ظفر شاغليان والبيئة والتخطيط العمراني أردوغان بيرقدار، إضافة إلى رجل الأعمال المشهور علي آغا أوغلو المقرّب من الحكومة ومالك أضخم شركة إنشاءات في تركيا، والمدير العام ل «بنك خلق» التابع للدولة، ورئيس بلدية الفاتح في اسطنبول مصطفى دمير (من الحزب الحاكم)، وبيروقراطيين وموظفين في الوزارات الثلاث. وذكرت مصادر في أجهزة الأمن أن العملية أتت بعد سنة كاملة من المتابعة والتنصت على مكالمات الموقوفين والتثبت من ضلوعهم في فساد مالي يقضي باستخراج أذونات بناء في أراضٍ زراعية أو محميات، وتيسير قروض من دون ضمانات، في مقابل رشى مالية تجاوز مجموعها البليون دولار. وأضافت المصادر: «أن التحقيقات ستتواصل للكشف عن دور محتمل في القضية للوزراء الثلاثة». وكان لافتاً أن المدعي العام الذي يقف وراء هذه العملية، هو زكريا أوز الذي اشتهر بحملاته الأمنية ضد الجيش سابقاً، في قضيتي «أرغينيكون» و «المطرقة» والمحسوب على جماعة غولين. واعتبرت الحكومة العملية جزءاً من حرب معلنة مع الجماعة، إذ علّق يالتشن أكدوغان، مستشار أردوغان، على الأمر قائلاً: «محاولة الانتقام والإساءة لن تؤدي سوى إلى مفاقمة الأحقاد واستحالة المصالحة». أما رئيس الوزراء فرأى في ما حدث «محاولة من قوى مدعومة من بؤر ظلام، داخل تركيا وخارجها، لابتزاز الحكومة وتغيير سياساتها»، مؤكداً أنها «لن تنجح» وأن حكومته «ستتصدى لهذا الابتزاز ولن ترضخ لتهديدات». وأردف: «تركيا ليست جمهورية موز، لكي يحاول بعضهم التأثير في سياستها من الخارج أو الداخل، والفيصل هو الانتخابات وهي قريبة. وعلى من يريد إسقاط الحكومة أن يلجأ إلى صناديق الاقتراع». وكان خلاف دبّ بين أردوغان وجماعة غولين، بعد مطالبة الأخيرة بالسيطرة على جهاز الاستخبارات، إثر سيطرتها على أجهزة الأمن والقضاء، في اتفاق تعاون غير معلن مع الحكومة. لكن أردوغان رفض ما اعتبره طلباً ل «المشاركة في الحكم وتقاسمه بين حزب سياسي وجماعة دينية»، معلناً الحرب عليها، كما عمل على تصفية أتباعها في مؤسسات الدولة وإغلاق المعاهد الدراسية الخاصة التي تُعتبر المنفذ الأهم للجماعة للتواصل مع الشارع. لكن تحليلات أشارت إلى أن العملية الأمنية الأخيرة تُعتبر التحدي الأكثر قوة وأهمية للجماعة التي استطاعت أن تعتقل ابن وزير الداخلية، فيما يعتقد أردوغان بأنه نجح في تصفيتها من مؤسسات الدولة، قبل الانتخابات البلدية في آذار (مارس) المقبل. ودعا حزب الشعب الجمهوري (الأتاتوركي) المعارض حكومة أردوغان إلى «الاستقالة فوراً»، وشكّل مركز متابعة للأزمة، متعهداً كشف كل تفاصيل التحقيق أمام الناخبين. واتهم «الأتاتوركيون» حزب «العدالة والتنمية» بالتستر على الفساد وتشجيعه في وزاراته وبين أعضائه. في غضون ذلك، بدا أربعة نواب أتراك يؤيدون الأكراد، إضراباً عن الطعام في البرلمان التركي، تنديداً برفض القضاء طلباً بإطلاق خمسة نواب أكراد موقوفين في شكل موقت.