الروائي السعودي ماجد سليمان تنقل بين تجارب كتابية مختلفة، فمن القصص القصيرة إلى كتابة الشعر والرواية، وحتى محاولة دخول أدب الطفل، يأتي سليمان بصوت شاب من كبريات دور النشر العربية التي نشرت له؛ مجرباً في السرد العربي، ومحاولاً تكريس صوته للرواية فقط. أصدر أخيراً روايته الجديدة «طيور العتمة» التي تتجاوز شخوصها الفنتازيا حيناً، كما يقول ل«الحياة»، وحيناً يؤسس لتلك الشخوص بطولات، فلا يبخص أحدهم المواقف والحضور والتسجيل، ما دفع الإعلام العربي إلى الاهتمام بتجربته، كما ذكر في هذا اللقاء الذي بيّن فيه هاجسه المستمر. تأتي روايتك الأخيرة بقراءات لتكرس اسمك في المشهد الروائي السعودي، ماذا عن هذا العمل الذي يشي عنوانه بعوالم مختلفة؟ روايتي «طيور العتمة» الصادرة عن دار الساقي 2014، واسمح لي بأن آخذ السؤال من فقرته الأخيرة، تختلف روايتي هذه عن السابقتين فقط في موضوعها، لأني أؤكد في كل مرة أهمية التنوع المقرون بالجودة، وليس لمجرد التنوع، روايتي الأولى كانت خليطاً من القضايا الاجتماعية والسياسية وما يهجس به المواطنون العرب كافة، أما روايتي الثانية «دم يترقرق بين العمائم واللحى» فقد أيقظ شخوصها ما يسمى بالربيع العربي، ودفعت بشخصياتي في بطولة جماعية، لذا فهي تندرج ضمن الأدب السياسي وإن كانت آثارها باقية في روايتي الأخيرة «طيور العتمة»، فهي تعرض قضية إنسانية كبيرة تندرج في الأدب ضمن مسمى «أدب السجون»، والكتابة عنها في وطننا العربي قليلة، بل إنها حتى اليوم لم توفَّ حقها من التعمق والعرض الإبداعي على الأقل. دفعت ببطلي «برهان» و12 من رفاقه في عمل فنيّ خيالي خالص، وذلك بعد تأثر كبير بما يجري في وطننا العربي من آلام، كانت السجون أحدها إن لم تكن أهمها، تاركاً لشخصياتي ال13 طبيعة العيش في أماكن خلقها خيالي وأنشأها انعكاس ما أراه وأسمعه في الأراضي العربية كافة. كيف تقيم حضور أعمالك في الإعلام وردود الفعل تجاهها؟ بفضل الله، أنا راضٍ تماماً بما يقدمه لي الإعلام العربي والمحلي، بل أنا عاجز عن شكر كل من اعتنى بخبر صدور روايتي من الزملاء الأدباء، ومن تناولها بشيء من القراءة، كأصدقاء القلم الروائيين خصوصاً. قُدمت قراءات أدبية من أدباء وأديبات من الوطن العربي مثل ريماس شمعون، وأديب حسن محمد، وأحمد المؤذن، ومن المملكة الأدباء عبدالحفيظ الشمري، ومحمد المزيني، وعبدالرحمن العكيمي، وفاطمة البلوي، ورباب النمر، وغيرهم. ناهيك عن أنني أعتني بما يقدمه الأدباء، لأنهم أهل الصنعة والمهنة، وزملاء الهم الإبداعي، لذا أجد لديهم ما ليس عند فاقديه من المتكلمين في غير فنهم. كما اعتنى الإعلام العربي ب«طيور العتمة» في صحف لا حصر لها هنا، منها الصحف اللبنانية مثل النهار، والسفير، والمستقبل، وصحف خليجية، من الكويت الرأي، وأخرى عربية في لندن كالعربي الجديد، والعرب، و«الحياة»، والشرق الأوسط، هذا خلاف الدوريات، كمجلة الدوحة القطرية، واليمامة السعودية، وأخريات. ماذا عن النقد وإنصاف روايتك في المشهد الروائي السعودي؟ لا أبحث عمن ينصفني، لأن التاريخ هو الناقد الشريف، والمنصف الوحيد، يقابله الأدباء الفاحصون بالحس الأدبي الدقيق، فأعمالي إن أبقاها التاريخ فهي تستحق، وإن دفعها إلى النسيان فهي تستحق، من أقرأ نقدهم هم «الأدباء الحقيقيون» الموجودون في المعترك، والمولودون من رحم التجربة، وأصحاب الفعل الإبداعي. ما مصير كتب ودراسات طويلة في النقد، من وجهة نظرك، أمام هذا الكم من الحراك الجمالي الذي يفوق تلك الكتب؟. لا يمكن وضع الأدب تحت أنظمة وقوانين يقترحها أفراد، عدا المسلمات كأركان النثر والشعر، المعيار النقدي في الأدب هو الذوق الشخصي لكل إنسان، كتب النقد لم تُطوّر الأدب، وحدهم الأدباء الأعلام إذا شقّوا طريقاً بدّدوا وحشته، حتى إذا تقدّموا وصنعوا الروائع نهض أهل الذوق خلفهم حيث أرادوا، فالذين انتقدوا أبا تمام أين هم؟.. بقيت قصائد أبي تمام تغنى وتردد ليل نهار، وما قالوه من نقد في حقه ذهب مع الريح، وما أسهل النقد، والتنظير، والهرطقة، وما أصعب إنتاج الأدب والمعرفة، وبناء شواهق الإبداع كافّة، وما أسهل التمسّح بالثقافة، وما أصعب الحَسْم في شؤونها، إذا أردت أن تكون ناقداً في فن فعليك أن تكون ممارساً له، محترفاً في صناعته كي لا تكون ناقداً مجانيّاً وما أكثر المتكلمين في غير فنهم. صدرت لك مجموعة شعرية «قبعة تطير في الريح» ومجموعة قصصية «نجم نابض في التراب» ومشروع للطفل «قصة، مسرحية، قصيدة»، ولا تأتي على ذكر أعمالك هذه في أغلب حواراتك.. ما السبب؟ لا أخفيك هي أعمال يتيمة، وتراكمت منذ تجربتي الأولى، وبعد صياغة نهائية لها، وجدتها جاهزة لتكون في أيدي القراء، باستثناء مشروع الطفل، إذ أخذت على نفسي عهداً أن أقدم شيئاً للطفل العربي، فهو حق له علي بصفتي كاتباً عربياً، وبوصفه إسهاماً مني في مكتبة الطفل العربي. اليوم الرواية تسرقني، وتشغل هاجسي على الدوام، فهي مشروعي الحقيقي ومنجزي الكبير الذي أسعى لأن أتفرغ له جيداً. كثير ما يقال إن الرواية لا تكتب إلا بعد عمر طويل وتجارب مديدة.. كيف تعلق؟ هذا من شعارات المحبطين، الفائز ب«نوبل» هذا العام (2014) كتب إحدى رواياته وهو في ال23 من عمره، طرفة بن العبد أنشد معلقته وهو لم يبلغ ال26 من عمره، أغلب الأعمال العالمية كُتبت في وقت مبكر من عمر مبدعيها، وخلدت، وكتبت بعدها أعمال بأعوام طويلة وظهرت في غاية الضعف. الإبداع حال زائرة، على صاحبها القبض عليها قبل أن تنزلق من عمره. أي القضايا المحلية تؤلمك؟ كل ما يتعلق بالمرأة اجتماعياً وحياتياً وأسرياً يؤلمني كثيراً، على أننا مجتمع توفر في يديه كثير من الوسائل الترفيهية والتعليمية، إلا أننا ما برحنا نرى المرأة كائناً يخدمنا فقط ويسمع أوامرنا بلا رفض، أتمنى أن نقترب جيداً من الذات النسوية وفهمها بوصفها إنساناً.