في الكويت، كل ما تمخّض عن قمة مجلس التعاون الخليجي وما سبقها يُثبت أن الدول الست الأعضاء في المجلس تُدرك أن الخليج ليس منعزلاً عن العالم، ولا عن ارتدادات الحرائق التي تكاد تلتهم خريطة العالم العربي. لم يعد الحديث همساً عن مدى صواب منح الولاياتالمتحدة الثقة، ولو وعدت بإبقاء 35 ألف جندي أميركي في مياه الخليج، ولا الهواجس خفية لدى أهل المنطقة حيال التقلبات الإيرانية والتجارب المرّة مع طهران. أبسط ما يقال في نقاشات المنتديات التي تجاوزت سن المراهقة في السياسة منذ أمد بعيد، يطاول ايضاً صدقية العهد الجديد في إيران، أو نهج الرئيس حسن روحاني لنيل ثقة أهل الخليج كي يطمئنوا إلى أن النظام الإيراني لن يكرر حقبة الانفتاح في عهد محمد خاتمي فيما هو يواصل بصمت «تصدير الثورة»، وادعاء الدفاع عن مصالح الشيعة وحقوقهم أينما كانوا، بصرف النظر عن انتماءاتهم الوطنية. يدرك قادة دول الخليج، أن الوعي المتقدم لدى شبان المنطقة ونسائها، الذي يتساءل عن موجبات الإصلاح السياسي وزمنه، هو ذاته الذي بات يرى بعين الواقعية تقاطع المصالح بين جار كبير يوزع الكلام المعسول دفاعاً عن حقوق المسلمين، و «شريك» كبير لا يعد إلا بالأمن، كأن دول مجلس التعاون عاجزة عن الدفاع عن أراضيها. في عهد خاتمي، قدّمَت طهران كثيراً من الوعود إلى الجيران، حتى إذا دخل محمود أحمدي نجاد نادي الرؤساء اقتاد النظام الإيراني المنطقة الى أتون الفتنة فيما هو يحذّر منها. حالَ دون عودة العراق إلى أشقائه، أظهر عضلات «الهلال الشيعي»، وانتزع لبنان من دائرة الرعاية الخليجية العربية إلى بيت الوصاية... حطّم ما تبقى من أمل بفلسطين وبمقاومة فلسطينية وهو يقود «حماس» من مذبح إسرائيلي إلى آخر، تحت ستار مقاومة «المؤامرة». وأما سورية التي كانت «قلب العروبة»، فاستخدامها رأس حربة في المشروع الإيراني ل «الممانعة» لم يكن ليؤدي إلا إلى الطعنة الكبرى وتدمير جسر بين مشرق العالم العربي ومغربه. كان بديهياً أن تواجه قمة الكويت معضلتين، وإن بدت إحداهما انفراجاً عالمياً. الأولى استمرار «الكارثة الإنسانية» في سورية بتجاهل بشع من واشنطن وموسكو، وتخلي الغرب عن كل وعوده بدعم المعارضة «المعتدلة»، ما مكّن النظام السوري و «أمراء» الجماعات المتطرفة من قضم قضية الثورة، وإلحاق مزيد من النكسات بقدرة «الجيش الحر» على الصمود. ولأن موعد «جنيف2» يقترب، يُقلِق الخليج إمكان تعويم النظام بتواطؤ مصالح بين الروس والغرب. ويتجذّر القلق لأن إيران التي فازت سريعاً بتبييض صفحتها عبر الاتفاق النووي، هي إيران التي تموِّل الآلة الحربية للنظام السوري ولن تسمح بسقوطه. بذلك تساهم في تقرير مصير السوريين، فيما العرب بعيدون، بقرار غربي ونتيجة انهماكهم بالابتعاد عن عين عاصفة «الربيع»، أو ارتباكهم باستراتيجية التضليل الأميركية (لافتة الانسحاب من قضاياهم وصراعاتهم). وإذا كانت المعضلة الأولى فقدان التوازن في العالم العربي، أو ما كان يسمى النظام الإقليمي، بمغادرة أحد أركانه (سورية) الى حضن «الممانعة» الإيرانية قبل زمن من الثورة، ثم انهماك الركن الثاني (مصر) بالصراع على الدولة ومؤسساتها... فالمعضلة الأكبر هي كيفية التعايش مع إيران خارج حصار العقوبات، بعدما أبلت سياستها في ترسيخ نعرات داخل الكيانات العربية، رغم الحصار. صحيح أن ترحيب قادة الخليج ب «التوجهات الجديدة» للقيادة الإيرانية يترك فرصة لاختبار «خطوات ملموسة»، لكن الصحيح أيضاً ان ترحيبهم باتفاق جنيف النووي جاء مواكباً لشرط «التنفيذ الدقيق». وكل ذلك يستند الى التجارب المرّة مع طهران التي أهدرت عشر سنين من التفاوض مع الغرب بلا طائل، وتركت الخليج تحت حصار الهواجس لعقد كامل. وإن بدا أن قمة الكويت تجاوبت مع توجه بعض دول مجلس التعاون إلى مد اليد لعهد روحاني، بعيداً من الشكوك التي يثيرها غبار تلهّف بعض الغرب على التطبيع مع إيران، فالثابت أن القمة لم تبدّل في موقف قادة الخليج من «الإبادة الجماعية» في سورية، واستحالة التعايش مع النظام الذي استثمر «ذعر» الغرب من تمدد المتطرفين. وأما قرار القمة إنشاء قيادة عسكرية موحدة لدول مجلس التعاون، والذي قد «يجتهد» بعض الإيرانيين فيعتبره رداً على مطالبة طهران بمنظومة أمنية إقليمية تجمعها مع بغداد والمجلس، فلعله يشكّل نصف الطريق الى الاتحاد الخليجي. وبصرف النظر عن مبررات مسقط لرفض الاتحاد الآن، وإقدامها على صدمة، فمنذ ما قبل القمة كان السؤال المحيّر: لماذا لم يعلم مجلس التعاون قبل اتفاق جنيف «النووي»، بالأشواط التي قطعتها المفاوضات السرية الأميركية- الإيرانية في سلطنة عُمان، حيث سياسة «الأبواب المفتوحة» نهج مفضّل؟