لمناسبة مرور 110 سنوات على وفاة العالم الألباني العثماني الموسوعي شمس الدين سامي فراشري أقيمت في جامعة بريشتينا يومي 23 و24 تشرين الأول (أكتوبر) ندوة دولية، بالتعاون ما بين قسم الدراسات التركية في الجامعة ومركز أتاتورك الثقافي والجمعية العلمية التاريخية في تركيا، وبمشاركة 25 باحثاً من ألبانيا وكوسوفا ومكدونيا وتركيا والأردن، شملت أوراقهم مختلف الجوانب وحملت ما هو جديد أيضاً بهذه المناسبة. يذكر أن شمس الدين سامي ولد في بلدة فراشر في جنوبألبانيا عام 1850، وتخرّج في مدرسة «زوسيما» المعروفة في مدينة يانينا القريبة، وهو يعرف اليونانية والفرنسية والإيطالية، إضافة إلى اللغات الشرقية (العربية والتركية والفارسية) ولغته الأم (الألبانية). ومع انتقاله إلى العاصمة اسطنبول في 1871، بدأ سامي مسيرة رائدة سواء في مجال المعاجم وصولاً إلى عمله الموسوعي «قاموس الاعلام»، أم في الصحافة والأدب والترجمة إذ يعتبر من رواد الرواية والمسرحية. فبعد سنة من وصوله إلى اسطنبول نشر «تعشّق طلعت وفتنة» التي تعتبر أول رواية في الأدب التركي الحديث. وفي حين كان معروفاً في عصره للمثقفين العرب، ومنهم خير الدين الزركلي الذي استلهم منه فكرة كتابه الموسوعي «الاعلام» ، فقد أعادت مكتبة الإسكندرية في 2012، التذكير بشمس الدين سامي حين نشرت له ضمن مشروع إعادة نشر التراث كتابه الرائد «المدنية الإسلامية» الذي صدر بالتركية عام 1879، وكتابه الآخر «همة الهمام في نشر الإسلام» الذي صدر بالعربية في 1885. وتنوعت الأوراق المقدّمة إلى هذه الندوة الدولية، فركّز إسماعيل أحمدي على مساهمة سامي في الدراسات الإسلامية، وركّز محمد موفاكو على مساهمته في الدراسات العربية ، بينما ركّز وفا تاشدلن على «قاموس الاعلام» وقيمته الرائدة، وتناول إبراهيم ديمرجي الجرائد والمجلات التي أصدرها سامي بما في ذلك «طرابلس الغرب» خلال 1874 - 1875. وكشف عرفان مورينا رئيس قسم الدراسات التركية في جامعة بريشتينا عن مسرحية مجهولة لسامي في عنوان «وجدان» تتناول أوضاع الأندلس قبل سقوط غرناطة. ولكن، لم تخل بعض الأوراق من تجاذب بين المؤلفات المختلفة لسامي. ففي حين ركّز فتحي مهدي على ريادية كتابه المعروف عن الألبان «ألبانيا: الماضي والحاضر والمستقبل» الصادر في 1899، الذي منحه عند الألبان لقب «منظّر القومية الألبانية»، حملت ورقة زكريا إبراهيمي بعض التشكيك في نسبة هذا المؤلف إلى سامي لأنه يتعارض مع ما هو موجود في مؤلفاته الأخرى. وأشار محمد موفاكو في ورقته «إسهام شمس الدين سامي في الدراسات العربية» إلى أمر مماثل في ما يتعلق بكتابه الذي نشره بالعربية في اسطنبول عام 1885 «همّة الهُمام في نشر الإسلام»، فأشار إلى أن صورة الألبان في هذا الكتاب تختلف عن الصورة التي تعطيها الدراسات الألبانية عن سامي. وفي هذا الكتاب الوحيد الذي ألّفه سامي باللغة العربية تبدو رياديته في أكثر من جانب كما بيّنت الورقة المذكورة. فقد كان المؤلف ضليعاً في العربية وآدابها، وهو الذي أصدر صحيفة «طرابلس الغرب» خلال 1874 - 1875، بل إنه سبق في اشتقاق بعض المصطلحات التي استخدمها في العربية للمرة الأولى مثل «المدنية» و «الحضرية» بمعنى الحضارة. فقد ترجم سامي «المعلقات السبع» كما ترجم «مختارات» من أشعار علي بن أبي طالب. ونظراً إلى علاقته بالاستشراق الأوروبي نجد أنه يعتني بعمله وفق الأصول العلمية الجديدة التي أرساها المستشرقون فينشر النص العربي، ثم الترجمة إلى التركية وبعض الشروح على الأشعار الموجودة حتى يتمكن القارئ من فهمها والتفاعل معها. ولكن ريادية سامي تبدو في جانب آخر يتعلق باجتهاده المبكر في فهمه للجهاد ودعوته إلى عصرنة هذا المفهوم، وهو ما له أهميته الآن بعدما أصبح «الجهاد» بسبب «داعش» وأمثاله محبطاً للمسلمين أنفسهم. فالمؤلف يعترف في مقدمة كتابه هذا بأنه يعالج فيه كيفية انتشار الإسلام في العالم وأحوال الأمم الإسلامية ومستقبل الإسلام. وفي هذا السياق يتابع المؤلف كيفية انتشار الإسلام بالفتوحات في بعض المناطق وبالدعوة في بعض المناطق الأخرى التي لم تصل إليها الفتوحات كما في جنوب شرقي آسيا وأعماق أفريقيا. ومع تسليمه بأن «انتشار الإسلام بالغزاء (الغزو) قد انقطع منذ دور السلطان سليمان» (توفي 1566) يستعرض تجربة الأوروبيين في نشر دينهم في العالم وكيف أنهم يؤسسون جمعيات تبشيرية «لنشر دينهم في الأقطار البعيدة» ليصل إلى طرح مفهوم معاصر للجهاد. وينطلق سامي هنا من أن نشر الإسلام في أوروبا «متعسّر» لتمسك الأوروبيين بدينهم بينما ينصب اهتمام الأوروبيين بجمعياتهم التبشيرية على «نشر دينهم في الأقطار البعيدة» ليصل إلى أن مستقبل الإسلام يكمن في قارتي آسيا وأفريقيا. ويلاحظ هنا أن المراد ليس نشر الإسلام بين المسيحيين واليهود الموجودين في عالم الإسلام، بل بين أتباع الديانات الوثنية في العالم الذين كانوا يشكلون غالبية سكان العالم في ذلك الحين. ولأجل ذلك ينطلق من فكرته الجديدة بالقول: «لمّا كنّا مكلفين الجهاد أظن أنه وُجب علينا الجهد في هذا المرام لنشر أنوار الإسلام في أقطار الأرض وتخليص أهلها من ظلام الشرك»، لأنه كان يوضح العلاقة الوثيقة بين الإسلام والمدنية، وكيف أن انتشار الإسلام في أعماق أفريقيا ينقل السكان من حال البدائية والهمجية وأكل لحوم البشر إلى المدنية. وفي هذا السياق يشير إلى تجربة الأوروبيين ويقول: «لو كنا أسّسنا جمعيات لنشر ديننا المبين وصرفنا مبالغ لهذا المقصد، كما فعل النصرانيون، لما كان في الأرض مشرك إلا وقد أسلم». وبالاستناد إلى كل ذلك يصل إلى بلورة مفهومه الجديد عن الجهاد الذي يناسب العصر الجديد، إذ يقول: «ومن أراد الجهاد اليوم فليختر مشاق السفر، وليسافر في الأقطار البعيدة»، وينتهي بنبوءة يقول فيها: «وقد وقع هذا الجهاد في كل عصر، وقد يقع في عصرنا أكثر مما وقع في السابق». وإذا أخذنا في الاعتبار أن عدد المسلمين في الوقت الذي ألّف شمس الدين سامي كتابه (1302ه/ 1885م) كان في حدود 200 مليون، بينما زاد هذا العدد ملياراً في قرن وربع القرن فقط، لأدركنا صحة نبوءة سامي على اعتبار أن الفتوحات كما قال توقفت منذ عهد سليمان القانوني عن نشر الإسلام ولم يعد الإسلام ينتشر إلا ب «همّة الهُمام» من الدعاة.