تقدم النظام التربوي الفنلندي الأنظمة التربوية الأخرى، ومنها الأنظمة الأسيوية، طيلة 10 أعوام. وها هي تسبقه على سلم الترتيب الذي أنجز في 2012 وينشر اليوم. ففي مادة الرياضيات، تأخرت فنلندا الى المرتبة الثانية عشرة، وتصدرت الترتيب شنغهاي، وحلت سنغافورة في المرتبة الثانية، وهونغ كونغ في الثالثة، وتايوان في الرابعة، ثم كوريا الجنوبية وماكاو واليابان. وتخطت هذه البلدان فنلندا في بابي العلوم واستيعاب النصوص المكتوبة. فهل يعني هذا ان الشرق تفوق من غير منازع؟ حازت شنغهاي، وهي كيان اقتصادي يعد 22 مليون نفس وشريك منظمة التعاون والتنمية، المكانة الأولى في 2009. وتتفوق اليوم على الدول الأخرى تفوقاً ساحقاً. فبينما يبلغ متوسط علامات التقويم 494 نقطة، حازت المدينةالصينية 613 نقطة. ويقول جان - ريمي جيرار، أحد النقابيين التربويين، معلقاً: «لا يدعو هذا السبق الى الدهشة. فتلامذة هذه البلدان يدرسون أكثر بكثير من تلامذتنا. ويصدق هذا في حال الصين، وفي حال كوريا الجنوبية، حيث يساوي الوقت الذي يصرفه التلامذة إلى الأعمال الدراسية الوقت الذي يقضونه في الصفوف، بينما يمنع نظامنا الوظائف المدرسية في البيت. وعلى تلامذتنا أن يصرفوا وقتاً أكثر إلى الدراسة». ولكنه يقر بأن منافسة التلامذة الكوريين عسيرة. وتلامذة كوريا الجنوبية كادحون لا يبارون ولا يُشق لهم غبار. فهم يقضون نحو 50 ساعة في الأسبوع في الدراسة. وعدد الساعات يفوق نظيره الأوروبي ب 16 ساعة. وهم يدخلون الصفوف في السابعة والنصف صباحاً، ويغادرونها في الساعة الرابعة بعد الظهر. ومعظمهم يغادر الصف الى مدارس خاصة تعدهم وهم بعد في المرحلة الابتدائية، الى دخول الجامعة. وفي 2012، بلغت نفقات الأهالي على المدارس الإعدادية 13 بليون يورو، أو 10 أضعاف ما أنفقه الفرنسيون على «المساعدة» المدرسية (وهو 2.3 بليون يورو). وهي أعلى مبلغ أوروبي. وبعض التلامذة الكوريين يبقى الى الساعة العاشرة مساء في المدارس الإعدادية المسائية. وتحظر سيول الدراسة الى وقت يتخطى هذه الساعة. وهذا الإجراء، اي الحظر سنته الحكومة للحؤول دون افراط الأهل في حمل أولادهم على الدراسة. ويصرح خمس التلامذة بأنهم فكروا في الانتحار، وهو السبب الأول في وفيات الفتيان والفتيات. ويقول الباحث الجامعي الكندي، جان - فريديريك ليغاريه - ترومبليه، أن الكوريين يعزون استواء بلادهم في المرتبة ال 14 من الاقتصاد العالمي الى التربية المدرسية، بعد ان خلفت الحرب بين الكورتين بلادهم خراباً وفوضى، وهذا اليقين جزء من أسطورتهم الوطنية. والمعتقد الكونفوشيوسي يدعو الى التربية واحترام المعلم، وينيط بهما تسامي النفس الى المحل الأرفع. ويشاطر الصينيون هذا المعتقد. وتبذل الحكومة الصينية وسعها في كبح الهاجس المدرسي. ويلاحظ فرنسوا دوما، مساعد مدير برنامج التقويم، أن الإدارة المدرسية الصينية قصرت عنايتها في مرحلة اولى على النتائج المدرسية قبل ان تدرك آثار الاقتصار الوخيمة. وينبه الى ان نتائج شنغهاي وهونغ كونغ ليست مرآة أمينة لمستوى التلامذة في الصين عموماً. فبعض المناطق والمحافظات الأخرى تفتقر الى التجهيز الذي تتمتع به المدينتان. ولا تغفل الحكومة عن ضرورة ردم الفجوة بين المدينتين وبين المناطق الأخرى في الصين. وشنغهاي نفسها تدعو خير مدرسيها ومديري مدارسها الى العمل في المدارس المتعثرة لقاء تعويضات. ويدرب تدريس الرياضيات الأولاد الصينيين على التجريد الذهني منذ الخطوات الأولى. فعلى سبيل المثال يقول التلاميذ، عوض 14، 10-4، ويحلون الرقم في باب العشرات والأحاد، ولا يُعملون أصابعهم في العد. * محررة ومراسلة، عن «لوموند» الفرنسية، 4/12/2013، اعداد منال نحاس