مصراتة مدينة ليبيّة على ساحل المتوسط (200 كيلومتر غرب طرابلس الغرب)، اشتهرت منذ القدم بالتجارة والزراعة. وتتميز المدينة بأراضيها الرملية المتماوجة في الارتفاع والانخفاض التي تزينها أشجار النخيل. مصراتة والرمل توأمان لا ينفصلان، حتى أنها سميت منذ زمن بعيد ب «ذات الرمال». من هنا، التقط فنانو مصراتة التشكيليين هذه التيمة المهمة ليدشّنوا أول ملتقى تشكيلي تحت عنوان «رمل». وعن اختيار هذا الاسم تحديداً للملتقى الذي اختتم أخيراً، يقول عضو جماعة رمل الفنان المخضرم عمر جهان: «ثلاثة أقانيم تتحرك في سياقها كلمة «رمل»، رمل في معانيها اللغوية ومضمونها والشكلية وإيقاعات الكلمة وإيحاءاتها اللونية، وملامسها الناعمة والخشنة، وحروفها الثلاثة (راء، ميم، لام)، تفتحُ أفقاً بصرياً يتجاوز المعنى الحرفي والتقليدي لكلمة «رمل»... رُمِّل الثوب أي تلطخ بالدماء، ورُمِّل السرير أي وشته الزخارف، هناك بحر الرمل في الشعر العربي القديم، والبحث عن المجهول والسحري والأسطوري في ما يسمى علم الرمل». تضمّن الملتقى محاضرات في الفن التشكيلي وورشات عمل فنية مارس خلالها الفنانون رسم لوحاتهم في الهواء الطلق أمام الجمهور. كما رسم الفنانون المشاركون جدارية كبيرة منحها كل منهم بوحاً فنياً مختلفاً، لتولد في النهاية بانوراما متنوعة رحبت بكل الرؤى الفنية. شارك في المعرض عدد من الفنانين منهم غادة خليفة من مصر، سامي بن عامر من تونس، رشيد باخوز من المغرب، يورغ غارتز من ألمانيا، إضافة إلى الليبيين توفيق العويب ومصباح الكبير وعمر جهان وخالد الصديق وعدنان معيتيق وعادل الفورتية. وحول أهداف الملتقى وبرنامجه المستقبلي، قال رئيس هذه الدورة الفنان عادل الفورتية، إن الملتقى الأول لجماعة «رمل» يسعى إلى المخاطرة والتجربة ومحاولة ترسيخ جملة من القيم الجمالية الإنسانية، وذلك من خلال برنامجه السنوي الذي يتكون من معرض فني لأعمال الفنانين المشاركين وورشة عمل تُنجز خلال مدة الملتقى، وحلقة نقاش حول فضاءات الفن التشكيلي. ويضع الملتقى نُصبَ عينيه التجارب الصغيرة والكبيرة التي سبقته عربياً ودولياً، وعبر مسيرة الثقافة الليبية التشكيلية منها على وجه الخصوص، كما يطمح إلى أن يكون عتبةً من عتبات العمل الثقافي في حقل التشكيل وامتداداته وفروعه المترامية عبر الفنون البصرية. أقيم الملتقى في رعاية وزارة الثقافة والمجتمع المدني ومجلس مصراتة المحلي ووزارة الشباب والرياضة، وحظي بمتابعة من المهتمين بالفن التشكيلي في مصراتة والمدن القريبة منها كزليطن والخُمس وطرابلس. يذكر أن اللوحات المشاركة في المعرض اختارها الفنان عدنان معيتيق الذي عينته «جماعة رمل» مفوّضاً لهذه الدورة. ومن خلال متابعة الأعمال المعروضة، تجد الرمل حاضراً في معظمها. ساعات رملية تسرب الزمن، وتهويمات سوريالية تتقاطر من أعلى إلى أسفل، وفضاءات شاسعة تقدم لنا وجبات الرمل بألوان متعددة. وتطرح هذه الأعمال سؤال الرمل أو سؤال الوطن الذي بدأ يتسرب من بين أيدي مواطنيه نتيجة صراعاتهم وتجاذباتهم ومشاكلهم الكثيرة التي كبتت طوال 42 سنة من عمر الديكتاتورية، لتخرج فجأة من القمقم مادة ألسنتها دفعة واحدة باحثة عن حل من دون انتظام أو أولويات أو طوابير. حاول الفنانون استدعاء الرمل فنياً وأدبياً وفي أشكال عدّة كل من زاويته. وعلى رغم أن الملتقى نظم كنشاط دولي، فإن سطوة المكان فرضت نفسها لتقدم لنا مصراتة المجاهدة في وجه فني جديد من خلال عنوان هذه المدينة وأيقونتها الدائمة، وهي الرمل.