ورحل محمد الرشيد رحمه الله وهو أحد الوزراء الثلاثة الذين تحدثت عنهم في كتابي الذي في المطابع الآن بعنوان «الكرسي» سيصدر قريباً. والوزراء الذين عاصرتهم إبان عملي في التعليم هم: حسن آل الشيخ رحمه الله وعبدالعزيز الخويطر ومحمد الرشيد رحمه الله، وكم تمنيت أن يقرأ الرشيد ما كتبته عنه، لكنها الأقدار، فقد رحل قبل خروج الكتاب، ولن أضيف شيئاً عما دونته عنه، لكني سبق أن تناولت شيئاً من سيرته في كتابي بوح الذاكرة الذي خرج بعد تقاعدي، وهو على رأس العمل في الوزارة، وتحدثت فيه عن جوانب مشرقة من سيرته، وعن جلسة الأربعاء التي طبقها في الوزارة، رحمه الله، إذ يجتمع بكبار المسؤولين في الوزارة كل أسبوع، لمناقشة أمور التعليم، وعن تواضعه وبشاشته فقد كانت علاقتي به قبل العمل وفي العمل وبعد العمل لم تتغير، فكان محترماً وودوداً. أما الكتاب الذي هو قيد الصدور، فقلت فيه: ثالث الوزراء هو محمد بن أحمد الرشيد، ولست أدري كيف ومتى عرفت هذا الرجل الدمث الأخلاق! كل ما أذكره أنني أعرفه منذ أمد بعيد، وكان بيني وبينه روابط من الودّ والاحترام والتقدير، فأول لقاء رسمي جمعني به كان مجلس إدارة مدارس الرياض الخاصة، حين كان أولادي وأولاده يدرسون بتلك المدارس، وترشحنا لعضوية المجلس، وصار رئيس مجلس الإدارة، وكان عمله آنذاك مديراً عاماً لمكتب التربية لدول الخليج العربي، وأنا مدير التعليم بالرياض. وكنت أشاطره الرأي في كثير من القضايا التربوية، وكثيراً ما نشترك معاً في الندوات والمؤتمرات التربوية، وكنت ألتقي به في بعض لقاءات مكتب التربية خارج المملكة، ونتسامر، ونتحدث عن الآمال والطموحات التعليمية، وكيف نسهم في بناء وطننا الغالي. وشاء الله أن ألتقي به بعد يوم من إعلان تعيينه وزيراً للتربية والتعليم في المسجد لصلاة الجمعة، وأن أكون بجواره في المصلى، وباركت له في ذلك المكان الطاهر، ودعوت له في المصلى بالتوفيق. وفي المساء زرته في بيته، وكررت له التهنئة، وجلسنا منفردين، نتحدث عن الوزارة والعمل والآمال والطموحات. وكان الرجل سمحاً بشوشاً قريباً من الموظفين، يتبسط معهم، ويرون فيه التواضع والسماحة، وحاول جهده التطوير والتجديد، وكثيراً ما يردد دعونا نحلم، واجعلوا طموحنا كبيراً، وشكل اللجان، وخصص له جلسة كل أربعاء تجمعه بكبار المسؤولين في الوزارة، واهتم بجهاز الوزارة، وسعى إلى إعادة هيكلتها، وتنظيم رحلات خارجية لكبار المسؤولين، للاطلاع على ما لدى الأمم الأخرى من تجارب تربوية ومناشط تعليمية، وكثف اللقاءات الدورية بمديري التعليم في المناطق، ورتب لقاءً سنوياً لمسؤولي الوزارة بولاة الأمر، خادم الحرمين الشريفين، وولي العهد، والنائب الثاني، ووزير الداخلية. واهتم بجهاز الوزارة، فزادت الوظائف القيادية العليا. كان رحمه الله شعلة نشاط، نتفق معه، ونختلف كما كنا مع عبدالعزيز الخويطر، لكن كان خلافنا أخوياً، ونقاشنا ودياً، ولم أسمع منه يوماً كلمة نابية، ولا عبارة جارحة، حتى حينما تقاعدت، وتركت الوزارة، ظن البعض أنني مختلف معه، ويشهد الله أنه بذل جهده، لكي أبقى في الوزارة، ولكني آثرت التقاعد الباكر، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. * كاتب سعودي. [email protected]