لا يمر يوم تغادر فيه الدوامة الأمنية الدموية لبنان. وفي وقت شهد الوضع في مدينة طرابلس تهدئة نسبية بفعل تدابير الجيش الحازمة لمعالجة جولة الاشتباكات الأخيرة ووقف الصدامات الدموية، اغتيل منتصف ليل الثلثاء – الأربعاء القيادي في «حزب الله» و «المقاومة الإسلامية» حسان اللقيس أمام منزله في ضاحية بيروت الجنوبية في حادثة فريدة من نوعها، إذ جرت تصفيته بإطلاق النار عليه فيما كان يترجل من سيارته وليس بسيارة مفخخة أو بتفجير عن بعد كما جرت العادة في استهداف القياديين من الحزب الذي اتهم وإيران وسورية إسرائيل بالعملية. وفيما نفت اسرائيل الاتهام، تبنت العملية جهتان مجهولتان لبستا اللبوس المذهبي السنّي. وإذ اعتبر رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن اغتيال اللقيس يقع في خانة الأهداف الإسرائيلية لتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية، مشدداً على «صوابية قرار تحييد أنفسنا عن صراعات الآخرين»، كان له موقف لافت، إذ رد على الاتهامات التي وجهها الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله الى المملكة العربية السعودية بأنها تقف وراء التفجيرين اللذين استهدفا السفارة الإيرانية في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ووراء تفجيرات العراق. وأكد سليمان أنه «لا يجوز أن نفسد في علاقاتنا التاريخية مع دولة عزيزة وشعبها، وهنا أعني المملكة العربية السعودية، في طريق توجيه التهم إليها جزافاً من دون أي سند قضائي أو حقيقي أو ملموس». وانتقد الرئيس سليمان «التدخل في أزمات دولة أخرى، وأعني سورية، لمناصرة فريق ضد آخر، وهذا التدخل من أي طرف مدان». وبينما شيع «حزب الله» ومناصروه اللقيس في مأتم حاشد في مسقطه مدينة بعلبك البقاعية على رغم أحوال الطقس العاصف والممطر، حيث ووري الثرى، لقيت مواقف نصرالله التي أعلنها في مقابلة تلفزيونية، ليل أول من أمس، ردود فعل واسعة من خصومه السياسيين، لا سيما لجهة اتهاماته للسعودية «بشن حروب بالواسطة»، وما أعلنه عن أن مشاركة الحزب في القتال في سورية الى جانب قوات النظام فيها هي «لمنع إرسال مزيد من السيارات المفخخة» الى لبنان، ولجهة اتهامه المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بتمويل تسليح المسلحين في طرابلس. وكان زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري سارع منذ ليل أول من أمس الى إعلان أن «من يعمل بالواسطة لضرب استقرار الدول العربية هو إيران. وليس حزب الله سوى الدليل الساطع على الواسطة التي تخوض عبرها إيران الحروب». واتهم الحريري نصرالله بأنه «من أرسل جماعات إرهابية الى الخُبَر في السعودية والأرجنتين وبلغاريا ونيجيريا والبحرين واليمن ومصر... مؤكداً أن «تاريخ السعودية مع لبنان مشهود بالبناء والخير والسلام». كذلك رد عليه تيار «المستقبل» والأمانة العامة لقوى 14 آذار التي رأت في اتهام نصرالله «تسرعاً» و «تناقضاً بينه وبين قيادات أخرى تدور في الفلك الإيراني» وبين قول السفير الإيراني غضنفر ركن أبادي أن استهداف السفارة في بيروت «صناعة إسرائيلية». وكان لبنان استفاق صباح أمس على نبأ اغتيال القيادي في الحزب حسان اللقيس، منتصف ليل أول من أمس، برصاص مسلحين مجهولين اخترقوا منطقة الحدث في ضاحية بيروت الجنوبية، التي يفترض أنها تحظى بتدابير أمنية خاصة من الحزب، فأطلقوا النار عليه بأسلحة كاتمة للصوت وأردوه فيما كان يهم بالترجل من سيارته. وأفادت معلومات التحقيق الأولي أنه استهدف بسبع رصاصات، أصابت إحداها جدار مدخل المبنى الذي يقطن فيه، وشوهدت آثار أقدام الجناة في الحديقة الخلفية للمبنى وعند مدخله. وهي المرة الأولى التي يستهدف قيادي بالحزب بالرصاص بعد أن كانت عمليات اغتيال سابقة حصلت لقياديين منه عبر سيارات مفخخة وعبوات ناسفة. وسارع «حزب الله» في بيان له الى «الاتهام المباشر للعدو الإسرائيلي حكماً، الذي حاول أن ينال من أخينا الشهيد مرات عدة وفي أكثر من منطقة». ووصف اللقيس بأنه «قائد أمضى شبابه وقضى عمره في المقاومة الشريفة منذ أيامها الأولى وكان أباً لشهيد». وتبنت جهتان مجهولتان لم يسمع بهما من قبل عملية الاغتيال هما «لواء أحرار السنّة بعلبك»، وهو تبنٍ ظهر على «تويتر»، و «كتيبة أنصار الأمة الإسلامية» في بيان أرسل الى موقع «النشرة» الإلكتروني في لبنان. وسارع مفتي بعلبك الشيخ خالد صلح الى نفي وجود مجموعة متطرفة في المدينة كلواء «أحرار السنّة»، معتبراً أنها «فبركة بعض الأجهزة التي تريد توريط المدينة وتأجيج الفتنة بينهم». ودعا الأجهزة القضائية الى تحقيق لمعرفة ملابسات الاغتيال واعتقال المجرمين. ولقي الاغتيال حملة إدانة واسعة من حلفاء وخصوم «حزب الله»، إضافة الى الرئيس سليمان ورئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي اعتبر أن أسلوب الاغتيال إسرائيلي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي طلب تكثيف التحقيقات لكشف الجريمة، معتبراً أنها تهدف الى افتعال فتنة جديدة». كذلك استنكرت الجريمة الأمانة العامة لقوى 14 آذار. وفيما اتهم السفير الإيراني غضنفر ركن أبادي العدو الصهيوني، بالاغتيال، كذلك نائب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي أشار الى «تيارات صهيونية»، نفت الخارجية الإسرائيلية علاقة تل أبيب بالعملية. وحملت الحكومة السورية «العدو الإسرائيلي» المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة النكراء والبغيضة. واستنكر رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة الاغتيال، معتبراً أنه «كما الاتهام العشوائي والمتسرع الذي صدر عن السيد نصرالله في حق المملكة العربية السعودية يساهم في زعزعة الاستقرار وزيادة الفرقة بكونه يخدم مصلحة إسرائيل». على صعيد آخر شهدت مدينة طرابلس أمس يوماً هادئاً، بعد أن واصل الجيش اللبناني تدابيره وفق الصيغة الجديدة التي خولته الإمرة الأمنية الكاملة لكافة القوى الأمنية في المدينة، وبدأت الحياة تعود الى طبيعتها في الأسواق والمحال التجارية ودور التعليم. وأعلن الجيش عن توقيف 4 مسلحين، إضافة الى من أوقفهم أول من أمس. كما أعلن عن إزالة 12 دشمة كانت تستخدم من قبل المسلحين في الاشتباكات بين جبل محسن وباب التبانة. وشملت إجراءاته المنطقتين حيث أزال الكثير من السواتر الحديدية والشوادر التي تفصل بين مواقع القتال. وأبدى كبار المسؤولين ارتياحاً الى نتائج التدابير، خصوصاً أنها شملت ملاحقة المسلحين باستنابات قضائية أخذت تدفع هؤلاء الى ضرب الحسابات بعد أن كانوا حاولوا مقاومة انتشار الجيش. وأعلن وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي بعد لقائه ميقاتي أمس عن إنشاء غرفة عمليات مشتركة بين الأجهزة العسكرية، مشيراً الى أن ميقاتي وعده بأنه سيكون هناك تصرف في ما يخص عقد جلسات لمجلس الوزراء لبحث المواضيع الشائكة ومنها طرابلس. وعلم من مصدر وزاري أن ميقاتي يفكر بضرورة التشاور مع الرئيس سليمان لعقد جلسات لمجلس الوزراء طالما أن الحكومة الجديدة لم تتشكل ولأنه «بإطالة تصريف الأعمال فإنه سيجري تصريف البلد برمته إذا استمر الوضع على هذه الحال». وعلى صعيد أمني آخر، استجوب قاضي التحقيق العسكري عماد الزين، المدعى عليه الموقوف حسن ر. (لبناني) في ملفي التفجير في محلة بئر العبد والرويس في شهر آب الماضي.