ما أنْ رأى سانخيرو ضوْء النّهار، حتّى قفز من فراشِه، وعلى الفور طوى بطّانيته ووضعها وراء لوحاتٍ عِدّةِ كانتْ مسنودةً على الجدارِ المُلاصقِ للبراندة. فعلى رُّغْمِ أنّهُ كان ينامُ في المكتبِ منذُ أكثر من أُسبوع، إِلاّ أنّه كان لا يزالُ يشعُر بالخجل والحياء مِنْ هذا الأمْر، لذلك كان يُضْطرُّ إلى الاستيقاظِ مبكِّرًا لكيْ لا يراهُ أيُّ شخص مُمدّداً فوق بطّانية عسكريّة مفْروشة في براندة المكتب، باستثناء وليد، الرّسّامِ الذي كان ينام في المكتب، أيضاً، منذ سنة بالضّبط، أيْ منذ أن قطع دراسته في موسكو، وعاد إلى بيروت عندما سمع بالاجتياح الإسرائيلي لجنوبِ لبنان في مارس 1978 فيما عُرف ب «عمليّة الليطاني». تناول سانخيرو حقيبةً صغيرةً ودخل إلى الحمّامِ، أخذ دوشاً سريعًا، ثمّ ذهب إِلى المطبخ، في الشُّقّة المجاورة، حيث أعدّتْ له «أُمُّ بلال» كأساً من الشاي. وبعد لحظات جاء مُختار ووقف عند باب المطبخ وهو يطالع صحيفته الفرنسيّة «لوموند»، وقد تأبّط صُحفاً أخرى عدّة. وكعادته كان مختار يقرأ ويعبث بشاربيه بأصابعه اليسرى، ثمّ فجأةً ألقى تحيّة الصّباح، وطلب من سانخيرو أن يأتِي معه الى مكتبه «القهوة، يا رفيقة أُمّ بلال»، قال بصوت عال وهو يمدُّ يده لِمُصافحة سانخيرو وهما يدخلان المكتب. «كما تعلم يا رفيق»، قال مختار، «إِنّنِي استلمتُ مسؤوليّة المركز منذ أربعة أسابيع فقط، وأنا بصدد إِعادة تشكيل إدارةِ الإِعلام لكي يتمكّن من القيام بمهماته بما يتناسب مع المرحلة الخطيرة التي تمرُّ بها ثورتُنا، في شكل خاصّ، والمنطقة العربيّة في شكل عامّ. بدْءًا من الغد أُريدك يا رفيق سانخيرو أن تستلم الأُمور الإِدارِيّة للمركز، وكذلك مُهِمّة الإِشْراف على إِخْراج مجلّةِ «التّحرير». كان سانخيرو يهزُّ رأسه، وعيناه تختلسان النظر إلى الصُّور والمُلْصقات المعلّقة على الحائط، خلف مختار: صورة كبيرة لفيديل كاسترو وهو يستقبل الرّفيق أبو حاتم، أمين عام الجبهة الثّورية، صورة مؤطّرةٌ للينين، شعارُ الجبهة الثّوْرِية، مُلصقٌ كبير وملون، يُجسِّد حمامةً بيضاء تطير فوق أسلاك شائكة مع كتابة بخطّ عريض «الحرّية للسُّجناء الفلسطينيّين في سجون الاحتلال»، وصورٌ أخرى، منها صورة لمنغستو هيلا مريام! «كلُّ شيء سيكون سهلاً، وسوف نكون إلى جانبك أنا والرّفيقة مليكة». قال مختارُ وأضاف وهو ينظر إلى باب مكتبه الذي كان مفتوحاً: «أرجو أن لا تبلِّغ أحدًا بهذا الأمر حتّى الغد». «بالتأكيد يا رفيق» قال سانخيرو بابتسامة كبيرة جعلت خديه ينتفخان مثل تفاحتين. «هل معك سجائر يا رفيق سانخيرو؟ لقد نسيتُ علبتي في البيت». «طبعاً يا رفيق»، نهض سانخيرو وقدّم له سيجارة مارلبورو، وأشعلها له. «لقد جِئْت في الوقتِ المناسبِ يا رفيق». قال مختار مبتسمًا، وكأنّهُ كان يعرفُ أنّ الصِّراع الخفيّ الذي كان دائرًا بين تِيارين في الجبهة للسّيطرة على مركز الإِعلام، سوف يؤدِّي ذات يوم إلى صُدورِ قرارِ بإعدامهِ، وسوف يُجازف سانخيرو بحياته، لينقذهُ في اللّحظة الأخِيرة.