انشغل أركان الدولة اللبنانية في معالجة الوضع الأمني المتدهور في طرابلس (شمال لبنان) الذي شهد ليل أول من أمس، أعنف المعارك بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن التي ما إن هدأت صباح أمس، حتى أخذت تشتد مع بداية حلول الظلام وتحولت الأحياء والشوارع المحيطة الى مناطق تكاد تكون مهجورة من سكانها بعد أن سقط منهم العشرات بين قتيل وجريح، معظمهم من الأبرياء، من دون أن تفلح الاتصالات في وقف دورة العنف، في ضوء تصاعد وتيرة الخوف من أن يتحول شارع سورية الذي يفصل بين المنطقتين الى خط تماس إقليمي يتصل مباشرة بالحرب الدائرة في سورية ويتفاعل مع تداعياتها الأمنية والسياسية. وشكّل لقاء بعبدا الذي رأسه رئيس الجمهورية ميشال سليمان وشارك فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وحضره قائد الجيش العماد جان قهوجي محاولة جديدة قد تكون الخرطوشة الأخيرة لإعادة الهدوء الى عاصمة الشمال. وبعد الاجتماع، اعلن ميقاتي انه «جرى الاتفاق على جعل طرابلس تحت إمرة الجيش لمدة ستة اشهر، وتقرر وضع القوى العسكرية والقوى السيارة بإمرته»، مشيراً إلى انه «اتُفق على نص القرار والمنطقة الجغرافية، كما اتفق أيضاً على تنفيذ استنابات (قضائية) صدرت أو ستصدر». ونقلت مصادر وزارية عن سليمان قوله إنه لا بد من حسم الوضع ووقف الاشتباكات. وقالت: «إن التهاون لم يعد مسموحاً على الإطلاق حيال من يعبثون بأمن طرابلس وأهلها ويهددون الاستقرار العام». وكان الوضع في طرابلس على رأس المواضيع التي بحثت بين رئيس الجمهورية ورئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي نقلت عنه مصادره أن هناك ضرورة لتدخل الجيش بقوة لإعادة الهدوء الى عاصمة الشمال، وهذا يتطلب سحب السلاح وملاحقة المخلين بالأمن وتغيير رؤساء الأجهزة الأمنية بسبب عجزهم عن ضبط الوضع. وهذا ما كان مدار اتفاق بينه وبين رئيس المجلس النيابي نبيه بري في الاجتماع الذي عقد أول من أمس، والذي دعا أيضاً الى تغيير رؤساء مخافر الدرك إذا اقتضى الأمر. ورأى السنيورة، وفق مصادره، أن هناك حاجة لضخ دم جديد وهذا لن يتحقق إلا بتغيير رؤساء الأجهزة الأمنية لأن بعضهم «دخل في السواهي والدواهي وأصبح جزءاً من الأمر الواقع الذي تعاني منه المدينة أي جزءاً من المشكلة وليس الحل». وقال: «إن من يوكل محامياً للدفاع عن قضية يضطر أحياناً الى استبداله بآخر في حال شعر بأنه لم يحسن الدفاع عنها». ويؤيد السنيورة في مطالبته عدد من نواب المدينة وفاعلياتها المنتمين الى تيار «المستقبل» ويعتبرون أن هناك ضرورة لتوقيف رئيس «الحزب العربي الديموقراطي» النائب السابق علي عيد وابنه رفعت بتهمة ضلوعهما في تفجيري مسجدي «التقوى» و «السلام» بذريعة أن توقيفهما لا يؤدي الى تهدئة النفوس فحسب، وإنما الى وقف الاشتباكات التي يقودها الأخير لصرف الأنظار عن ملاحقتهما قضائياً، إضافة الى عدد من المخلين بالأمن ومنهم من اعتدى على عمال من الطائفة العلوية، عن سابق تصميم لتسميم الأجواء في طرابلس ورفع منسوب الاحتقان المذهبي والطائفي. يضاف الى ذلك ضلوع عدد من «قادة المحاور» في تصعيد الموقف على الأرض، حيث يتصرفون على أنهم ليسوا أولياء الدم «للثأر» من مفجري المسجدين فحسب، وإنما تحولوا الى «قادة» جدد للمدينة بيدهم الحل والربط، وهذا ما لفت إليه رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط بقوله في مقاله الأسبوعي الذي نشرته أمس جريدة «الأنباء» الإلكترونية: «يبدو أن غالبية قيادات طرابلس مصرة ومصممة على تدمير المدينة». لكن مصادر مواكبة للجهود الرامية الى وقف دورات العنف رأت أن هناك ضرورة لتمركز الجيش اللبناني في المناطق المرتفعة في جبل محسن التي تطل على باب التبانة والأحياء المجاورة لها والتي تستخدم في عمليات القنص التي تسببت بسقوط هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى، لا سيما أن أياً من الطرفين لم يتقدم قيد أنملة في اتجاه المنطقة التي يُوجد فيها الطرف الآخر. على صعيد آخر (أ ف ب)، اقدم افراد في بلدة قصرنبا، قرب زحلة، على احراق خيم لاجئين سوريين في بلدتهم وارغموهم على مغادرتها بعد تفكيك ما تبقى من المخيم، وذلك على خلفية ادعاء بتعرض احد افراد العائلة لاعتداء جنسي قام به سوريون. وقال طبيب شرعي كشف على الشاب ان لا أثر لتعرضه لاغتصاب او لعنف. وافادت وكالة «فرانس برس» بان خيم اللاجئين، والبالغ عددها اكثر من مئة خيمة تؤوي حوالى 400 لاجىء على الاقل، ازيلت بشكل كامل امس، بعدما نظم سكان البلدة احتجاجات لارغام قاطنيها على المغادرة، تخللها اضرام النار في حوالى 15 خيمة. وقال احد سكان البلدة، رافضا ذكر اسمه، ان الاعتداء على الشاب «ملفق»، وان اسباب القضية «تعود الى رغبة اصحاب الارض التي اقيم عليها المخيم، باستعادتها، ولم يجدوا طريقة اخرى لطرد اللاجئين السوريين».