يطرح باقر جبر الزبيدي الذي شغل منذ عام 2003 وزارات الإسكان والداخلية والمال ويترأس اليوم كتلة «المواطن» البرلمانية، رؤية حول اشتراطات رئيس الوزراء المقبل في العراق ويؤكد أن القوى العراقية مصرة على التغيير عبر الانتخابات، وأن هناك بدائل مطروحة لمنصب رئيس الحكومة حتى داخل «حزب الدعوة» نفسه، ويحدد في حوار مع «الحياة» مكامن الخلل في أداء الحكومة العراقية التي يغيب عنها نظام داخلي وتفتقر إلى الشراكة في صنع القرار، وإلى خطوات جادة للقضاء على الفساد، ويرى أن إطلاق الاتهامات ضد دول بدعم الإرهاب في العراق يشير إلى سياسة خارجية ملتبسة ولجوء إلى وسائل الإعلام بديلاً من الديبلوماسية لحل المشاكل. وهنا نص الحوار: الحديث عن ولاية ثالثة لرئيس الحكومة نوري المالكي يربطه المؤيدون بأخطار استبدال المالكي، فالبديل برأيهم هو الفوضى والتقسيم؟ - هذا غير صحيح إطلاقاً، لأن العملية الديمقراطية تفرز أنظمة وآليات أكثر تطوراً، وهذا ما حصل في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، كل الأنظمة مرت بفترات اضطراب وساعدتها الآليات الديموقراطية على التطوير والتغيير. سير العملية الديموقراطية في شكل سليم يرتبط بتغيير الأشخاص وتغيير النظام وتغيير أعضاء البرلمان ورئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية. هذه مسألة طبيعية ولا تستدعي بث مثل هذه المخاوف. لكنها مخاوف موجودة في الشارع على أي حال، فصراع الأقطاب على السلطة ينبئ بالأخطار. - هناك من يسعى إلى التخلي عن النظام الديموقراطي في العراق والتوجه إلى الانفراد والديكتاتورية، ومن الطبيعي أن يبث مثل هذه المخاوف. بلا شك الشعب سيحترم ونحن سنحترم نتائج الانتخابات فمن سيفوز أهلاً وسهلاً به، إذا فاز المالكي بغالبية كبيرة وقبلت به الخريطة الوطنية لولاية ثالثة فلن نعترض، لكنّ هناك شرطين لرئيس الوزراء المقبل، الأول أن ياتي بأرقام انتخابية كبيرة جداً، وأن يقبل به المكون الذي ينتمي إليه، وأن تقبل به المكونات الأخرى تحت سقف الوطن. كيف تميز طبيعة الخريطة الانتخابية على الأقل داخل المكون الشيعي لاختيار رئيس الحكومة المقبل؟ - التحالف الوطني الآن انتهى إلى ثلاث قوى رئيسة هي: «ائتلاف المواطن» و «الأحرار - الصدر» و «دولة القانون»، أي قوتين من هذه الثلاث تتفق لتشكل الغالبية داخل التحالف ستفرز رئيس الوزراء. بعد ذاك تأتي المرحلة الأخرى التي كنا نفتقدها في السابق عبر اللجوء إلى المكونات والقوى الأخرى الكردية والسنّية والوطنية للوصول إلى توافق شامل حول رئيس الحكومة. وهذا لم يحصل في الانتخابات السابقة حيث تأخر تشكيل الحكومة تسعة شهور لأن المكونات الأخرى السنّية والكردية لم توافق على شخصية رئيس الوزراء حتى جاء اتفاق أربيل الذي مثل غطاءً لتحقيق الشراكة ولم ينفذ منه عملياً سوى الاتفاق على اختيار رئيس الحكومة. أعتقد أن الكتل الأخرى ستنتظر ما سيفرزه التحالف الوطني من مرشحين، وستعلن موقفها سلباً أو إيجاباً، وعلى أساس ذلك سيتم اختيار رئيس الوزراء على أن يكون مقبولاً من مكونات الشعب العراقي. هل تم طرح بدلاء، لم نسمع كتلة طرحت مرشحاً لها سوى دولة القانون التي تخوض الحملة الانتخابية بشعار الولاية الثالثة لزعيمها؟ - هناك بدلاء بالتأكيد، وفق معلوماتي كتلة دولة القانون نفسها طرحت ثلاثة بدلاء عن السيد المالكي مدعومين من حزب الدعوة. من هم؟ - لن أشير إلى أسماء. وكتلة المواطن التي تنتمون إليها كيف تتوقع حظوظها؟ - لدينا أكثر من مرشح لرئاسة الحكومة، ونحن نعتقد في ائتلاف المواطن والمجلس الأعلى، أننا سنحتل المرتبة الأولى في الانتخابات داخل التحالف الوطني، واستطلاعات الرأي التي نحصل عليها سواء كانت محلية أو أجنبية تدعم هذا التوقع، إضافة إلى نتائجنا المتميزة في انتخابات المحافظات في نيسان ( أبريل) الماضي، وجميعها تشير إلى أن في الخريطة الشيعية المقبلة سيكون ائتلاف المواطن في المركز الأول وكتلة الأحرار في المركز الثاني و «ائتلاف دولة القانون» في المركز الثالث. هناك تسريبات أن كتلاً داخل ائتلاف القانون مثل الإصلاح والفضيلة ستخوض الانتخابات مستقلة، إضافة إلى أن ملفات الفساد التي تكشف يومياً وسوء إدارة الدولة والفشل الأمني والسياسي ستنعكس سلباً على نتائج «دولة القانون». أنت رئيس كتلة المواطن في البرلمان العراقي، كيف تشخص الخلل اليوم في الدولة العراقية، ومن يتحمل مسؤولية الإخفاق؟ - هناك خلل جسيم في العلاقة بين السلطات في العراق، لكن هناك تداخلات وتغوّل من السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية أو القضائية، وهناك تدخل من السلطة القضائية أثر في أداء مجلس النواب، وهذا بلا شك العنصر الأساس في ارتباك إدارة العملية السياسية. على سبيل المثال كان لقرار المحكمة الاتحادية حصر آلية سير تشريع القوانين وربطها بمجلس الوزراء، أثر بالغ في العجز التشريعي العراقي، وهذه الثغرة تم من خلالها إحباط الكيثر من القوانين من طريق المحكمة الاتحادية، فأصبحت المحكمة هي الفيصل في تشريع القانون وليس البرلمان، وهذا شيء غريب وملفت للنظر ومؤلم، فمجلس النواب ينتظر ما ستقول المحكمة الاتحادية في هذا القانون أو ذاك، رأي المحكمة الاتحادية قد يكون صحيحاً أو خاطئاً أو منحازاً لهذه الجهة أو تلك فكيف تتسلم مفاتيح التشريع؟ أضف إلى ذلك أن السلطة التنفيذية في العراق لا تتعاون مع البرلمان ولا تستجيب حتى لطلبات الاستضافة للمسؤولين، وعندما نسأل لماذا تخالفون الدستور في عدم الحضور، يقولون لدينا أوامر عليا! لكن العراق يعتمد نظاماً برلمانياً، والبرلمان هو أكبر، فلماذا لا يسعى إلى تنظيم علاقته مع الحكومة عبر قوانين نافذة يتيحها الدستور؟ - ما زالت تجربتنا الديموقراطية غضة، وأعتقد أننا نحتاج وقتاً أطول لترسيخ هذه التجربة، ونحتاج إلى من يتجاوب مع الدستور أو يقبل الدستور أو يلتزم القوانين والدستور في السلطة التنفيذية، سواء كان رئيس وزراء أو رئيس جمهورية. لكن كتلة المواطن شاركت بتعطيل قانون المحكمة الاتحادية عبر دعم اشتراط وجود فيتو رجال دين في قرارات المحكمة؟ - نحن نتطابق مع الدستور، والدستور يقول لا يتم إقرار قانون مخالف للمبادئ الأساسية للإسلام، لذلك نحن في حاجة إلى حضور فقيه في القضايا الدينية والإسلامية وفقيه في القضايا المتعلقة بالحريات والديموقراطية. هل تعتقد أن دخول القوى العراقية إلى الانتخابات من دون قانون أحزاب ينظم عملها وتمويلها، هو أمر طبيعي؟ - هذا خلل كبير بلا شك، لكن مسودة قانون الأحزاب جاءت إلى البرلمان، وهي تحمل الكثير من التناقضات، وهذا القانون يحتاج إلى توافق لتمريره. هل شاركت في التصويت على قانون تحديد ولايات رئيس الوزراء الذي نقضته المحكمة الاتحادية أخيراً؟ - نعم شاركت، وكنت مع أن يكون هناك قانون لتحديد الولاية، وأعتقد أن العراق في حاجة إلى مثل هذا القانون حتى لو كان موقتاً زمنياً ب 20 سنة مثلاً تحدد خلالها ولايات رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس البرلمان بولايتين فقط. اسمك مطروح كمرشح محتمل لرئاسة الحكومة، فهل ستقبل أيضاً أن تقود حكومة من دون نظام داخلي؟ - طالبت وأطالب وسأطالب إذا كنت جزءاً من الحكومة المقبلة، بإقرار قانون النظام الداخلي لمجلس الوزراء كأولوية تسبق غيرها، الآن لدى مجلس النواب نظام داخلي ينظم آليات عمله، لكن في مجلس الوزراء مرت 10 سنوات ولم نثبت قانوناً ينظم عمل الحكومة، أو نظاماً داخلياً للغرض نفسه. ما هي الأولويات الأخرى لعمل أي حكومة مقبلة؟ - مكافحة الفساد الذي ينعكس سلباً على الأمن وعلى الإعمار والاستثمار والبطالة، وأيضاً تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك الجميع فيها في صناعة القرار ولا ينفرد شخص، ويجب أن تكون هناك خلية عمل على هامش رئاسة مجلس الوزراء للتفاهم بين زعماء الكتل في كيفية إدارة القضايا الاستراتيجية، ولا أقصد هنا القضايا اليومية العملية والإجرائية التي تقع ضمن اختصاص مجلس الوزراء، بل القضايا الكبرى التي تهم الوطن وقد تقود إلى أزمات داخلية. هل تقصد مجلس زعماء مثلاً؟ - لا، لكن عملياً يجب أن يكون هناك لقاء شهري بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس السلطة القضائية، وليس بالضرورة أن تتم قوننة مثل هذه المقترحات، وإنما وضعها في نطاق العرف السياسي. ماذا عن الأمن؟ أنت شغلت منصب وزير الداخلية في السابق، ما هي خريطة الطريق التي تقترحها للأمن؟ - في رأيي أن السبب الأول في الانحدار الأمني هو الفساد الذي استشرى في مؤسسات الأجهزه الأمنية، والسبب الثاني هو تعثر جهود الإعمار ومكافحة البطالة، والثالث هو غياب التفاهمات السياسية بين الكتل التي تمتلك رصيداً جماهيرياً. أنت تتحدث بلسان سياسي وليس بلسان رجل أمن، ماذا عن الأزمات في المؤسسة الأمنية نفسها؟ - بلسان رجل الأمن، هناك تخبط في إدارة الجهد الأمني، على سبيل المثل إن تشكيل قيادة عمليات بغداد وقيادات المحافظات كان خطة أميركية فرضتها ظروف فقدان السيطرة الأمنية بين عامي 2006 و2007، عندما كنت وزيراً للداخلية كان هناك وزير للدفاع أيضاً ولم نكن نشعر بضرورة إيجاد قيادات للعمليات بسبب وضوح المسؤوليات، اليوم الأمر مختلف فمن الصعب معرفة من هو المسؤول وكيف تدار العملية الأمنية، ليس لدينا وزير للداخلية ولا للدفاع، ومن يدير الوزارتين عملياً غرفة عمليات مرتبطة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة، وأعتقد أن هذه نقطة خلل فعلي. هل لديك ملاحظات حول قيادات الأجهزة الأمنية؟ - في العراق وفي كل مؤسسات الدولة لم يوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وهذا ما حصل في يوغسلافيا وقاد إلى تمزقها. على أي أساس يتم الاختيار إذاً؟ - غالبية الاختيارات تنطلق من الولاء وتنتهي بالولاء سواء كان حزبياً أو شخصياً. ذكرت أن عديد عناصر الأجهزة الأمنية يصل إلى مليون وربع المليون شخص، لكن في فترة الانتخابات تظهر أرقام التصويت الخاص أن حوالى 700 ألف شخص فقط يحق لهم التصويت، أين بقية هذا الرقم؟ - هم مليون وربع المليون شخص من جيش وشرطة وقوات حماية المنشآت، أما الاختلاف في الأرقام فيجب أن يوجه إلى الحكومة، بالنسبة لي لدي جواب لكن لن أستطيع البوح به. ومع هذا العدد الهائل، نشهد اليوم ظهور ميليشيات تتجول بحرية في شوارع بغداد وسمعنا عن أعمال قتل نفذتها، خصوصاً في الأحياء السنّية؟ - الحديث عن هذا الجانب معقد جداً، أنت في مواجهة إرهاب يقتل الناس يومياً بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والكواتم وهذه العمليات تولّد بلا شك ردود فعل غير منضبطة، فمجموعة من الأشخاص أو الأحزاب يمكن أن تشكل ميليشيا وتطرح نفسها كمدافع عن مكونها، إضافة إلى أن هناك ميليشيات موجودة فعلاً على الساحه وتنتعش في هذه الأجواء وهناك من يغذيها. هذه الأجواء تدفع البلد نحو الهاوية، ومن مسبباتها ضعف أداء القوى الأمنية، أو أن بعض القوى الأمنية في هذه المحافظة أو تلك تغض الطرف أو تتعاطف مع هؤلاء، لذلك أعتقد أن من الضروري أن تأخذ الحكومة المبادرة، لتقضي على الإرهاب من جانب أو تضعفه على الأقل، وأن تنهي عمل الميليشيات. عملت أيضاً وزيراً للمال، كيف تقوّم حجم الفساد في البلد؟ - مخيف جداً، اطلعت على تقارير ديوان الرقابة المالية والأمر في غاية السوء، أضرب لك مثلاً عندما كنت أشغل منصب وزير المال في الدورة البرلمانية السابقة، طلب مني أن أخصص 2 بليون دولار لبناء المستشفيات لكن، منذ 2009 إلى يومنا هذا لم تتجاوز نسب الإنجاز في هذه المستشفيات 15 في المئة. من يتحمل المسؤولية؟ - حسب المادة 78 من الدستور رئيس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسات العامة للدولة فهو يرسم السياسات ويشرف على تنفيذها ويتابعها ويستطيع إذا شعر بخطر في موقع من مواقع التنفيذ أن ينزل ويدير ذلك الموقع من موقع أدنى. في رأيك رئيس الوزراء المقبل يجب أن يكون صديقاً أقرب لمن إيران أم أميركا أم المنظومة العربية؟ - يجب أن يكون عربياً وإسلامياً مع كل الدول المحيطة بالعراق. يبني علاقات أخوية اقتصادية وسياسية تعتمد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعلى إقامة أفضل العلاقات مع هذه الدول ومع الدول البعيدة عن العراق والدول الكبرى. هناك حديث رسمي دائم عن تدخل دول الجوار في الشأن العراقي، والمسؤولون العراقيون يرددون أن دولاً بعينها تدعم الإرهاب وتموله، ما مدى صدقية ذلك؟ - عملت وزيراً للداخلية، وأعرف بالتفاصيل أن هناك تمويلاً لكن، غير رسمي من التجار في هذه الدولة أو تلك، ولم أجد دعماً رسمياً تتبناه دول. شخصياً لا أقبل أن تطلق هذه العناوين والشعارات والاتهامات على عواهنها، وإنما يجب أن نتحقق وندقق وفيما بعد لدينا الديبلوماسية والتفاهم لتسوية مثل هذه الإشكالات وليس عبر وسائل الإعلام. اليوم السياسي يتوجه إلى وسائل الإعلام لمخاطبة الدول ويشتم هذه الدولة أو تلك ويتهمها من دون معلومات أو أرقام. وأتساءل كم مرة خرج سياسيون يتهمون تركيا عبر وسائل الإعلام، وهؤلاء أنفسهم عادوا للتصالح مع تركيا... هذه قضية في حاجة إلى سياسة خارجية غير ملتبسة. هل كنت من مؤيدي دخول مقاتلين شيعة للقتال في سورية؟ - لا أبداً، لكن أنا عشت في سورية فترات طويلة من حياتي، ولدي تفاصيل، الحديث يدور بالتحديد عن لواء أبو الفضل العباس، وأستطيع أن أجزم بأنه يتكون في الغالب من عراقيي السيدة زينب الذين عاشوا هناك منذ ثمانينات القرن الماضي وما زالوا، والتحق بهم أفراد أو جماعات من العراق ومن لبنان ومن مناطق أخرى، أعتقد أن هناك تضخيماً في أعداد المقاتلين العراقيين ويجب ألا ننسى أن مقاتلين من العراق ومن 86 دولة أخرى التحقوا بالمعارضة السورية.