فيما يفترض النمط التقليدي للاتفاقات تساوي مقدار «الأخذ والعطاء» بين الجانبين الموقعين، اعتبرت الدول الست الكبرى (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) المعنية بمفاوضات البرنامج النووي لإيران ان تأكيد الأخيرة عدم نيتها امتلاك أسلحة نووية أو تطويرها يكفي لإبرام اتفاق معها، حُددت مدته بستة أشهر، في خطوة أولى «مأمولة» على طريق الحل الشامل المنشود. خفضت الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية عقوبات اقتصادية مفروضة على إيران، في مقابل اتخاذ طهران إجراءات محدودة لتقليص نسبة تخصيب اليورانيوم ومخزونه إلى أقل من 5 في المئة. لكن عمليات أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في التخصيب ستتواصل، مع ملاحظة «زيادة شفافية مراقبتها وتكثيفها»، على رغم أن هذا الأمر شبه مستحيل تقنياً في ظل جهل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية طبيعة قسم كبير من البرنامج النووي الإيراني. كما لا يستطيع المفتشون تفقّد المنشآت الحساسة للتخصيب في نطنز وفردو ومفاعل آراك للمياه الثقيلة يومياً، لأنهم لا يتواجدون دائماً في إيران. وبضمان إيران ما تسميه «حق التخصيب» على أرضها، وشبه إنهيار نظام العقوبات الذي يرى البعض أنه أجبرها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لم يكن مستغرباً تهليل قيادتها بالإنتصار، وقول المرشد الأعلى علي خامنئي في مجلس خاص أن «المسلمين الفخورين أكثر تمسّكاً بالفوز في صراع الإرادات من الغربيين المتهورين». وفي السياق ذاته، لم يتردد محللون غربيون في مقارنة اتفاق «جنيف 2013» باتفاق «ميونيخ 1938» الذي أنجزه رئيس الوزراء البريطاني حينها نيفيل تشامبرلين مع الحكّام النازيين في ألمانيا، وقضى بتقسيم تشيكوسلوفاكيا بهدف إرضاء مطامعهم ومنعهم من غزو أوروبا، وهو ما لم يحصل لاحقاً. ويقول محللون إن «أكاذيب حكام إيران تكررت مرات سابقاً، لذا قد يرون اليوم أن الولاياتالمتحدة ودولاً أخرى باتت متواطئة في الخدعة الكبيرة حول أهداف برنامجهم النووي في توفير طاقة لمدارس ومستشفيات، وتطوير بحوث طبية». ويذهب محللون إلى حدّ القول إن «ايران ربحت المسابقة قبل أن تبدأ، لأنها حصلت، بصرف النظر عن حصيلة التزامها بالإتفاق خلال الأشهر الستة المقبلة، على مواد نووية لتجهيز صواريخ قد تعمل بفاعلية، على رغم افتقادها قدرة تدميرية كبيرة. وهذا كل ما تحتاجه». ويذكّر هؤلاء بأن الكوريين الشماليين اعتمدوا إستراتيجية تجميع النسب المئوية لليورانيوم المخصّب في تمويه تطوير برنامجهم للتسلّح النووي، والذي يعاني اليوم فقط من مشاكل تقنية على صعيد دقة الصواريخ في إصابة الأهداف المحددة. ولا يستبعد خبراء استخدام الإيرانيين أساليب مماثلة لتضليل عمليات مفتشي الوكالة الذرية الخاصة بالمواد النووية المجمّعة أو المحوّلة وتخزينها. ويتفق علماء وتقنيون في البنتاغون مع هؤلاء الخبراء، باعتبار أن امتلاك أي دولة أسلحة ردع نووية يحتاج إلى إستراتيجيات تمويهية عدة. وفي ظل هذه الإحتمالات التي تجاهلها المفاوضون الغربيون، يرى محللون أن «مهلة الأشهر الستة التي حددها اتفاق جنيف قبل التحرّك نحو حلّ شامل، ذريعة إيرانية لكسب الوقت وتحقيق مزيد من المكاسب النووية، إضافة إلى الأهداف السياسية في الشرق الأوسط». ويُرجح أن تمدد هذه المهلة إلى ما بعد الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014. وهكذا لن تملك إسرائيل إلا خيار التحضير لمواجهة مباشرة مع إيران، وستندفع دول المنطقة إلى إقتناء أسلحة نووية للدفاع عن نفسها ضد ما تعتبره «عدواً خطراً لا يمكن توقّع تصرفاته، وبينها تقديم طهران تنازلات أقل فور رفع العقوبات المفروضة عليها». وكان لافتاً إستبعاد الرئيس الإيراني حسن روحاني أول من أمس، «مئة في المئة» تفكيك منشآت نووية في بلاده، باعتباره «خطاً أحمر» يجب الا تتجاوزه حكومته. وقال إن «المشاكل بين إيرانوالولاياتالمتحدة معقدة جداً ولا يمكن حلها في وقت قصير. لكن الإنفتاح الذي تحقق في الأيام المئة الأخيرة يمكن أن يتوسّع».