في بيئة محاطة بأنواع عدة من الملوثات، من مخلفات للصرف الصحي، مصانع ملوثة، نفايات، وحرائق، إضافة إلى ظهور فايروس «كورونا» في تلك المنطقة لينضم إلى مجموعة الملوثات البيئية، يقع سوق الأنعام والمواشي المركزي في جدةجنوب المحافظة في منطقة «الخُمرة»، مهددة تلك الملوثات البيئة الصحية العامة ل 1000 حيوان من المواشي والأنعام، وكذلك العاملين في السوق من رعاة للإبل والغنم هناك. وبرغم أن محافظة جدة وشوارعها تشهد عدداً من «العمليات التجميلية» لإصلاح ما تشوّه من وجه «العروس» على مدى عقود طويلة، إلا أن الطريق إلى سوق الأنعام والمواشي المركزي في منطقة «الخُمرة» أشبه ما يكون بلعبة «المتاهة» لسائقي السيارات، وذلك لكثرة الحفريات والمياه الجوفية على طول الطريق، إذ لم تصل إليها المشاريع التجميلية التي تشهدها شوارع المحافظة الأخرى، ما حدا بسكان تلك المنطقة تسميتها ب «المنطقة المنسية». ولم تكن «الخُمرة» وساكنوها «منطقة منسية» في إيصال المشاريع وصيانة الطرق فقط، بل حتى «منسية» في الوعي البيئي والثقافة الصحية، ففي جولة ميدانية ل «الحياة» على سوق المواشي والأنعام في جدة، تبين أن عدداً كبيراً من رعاة الإبل والغنم لا يعلمون باكتشاف حالة مرضية لفايروس «كورونا» لإحدى الإبل قبل أسبوعين في إحدى الحظائر هناك، إضافة إلى جهلهم كيفية التعامل مع المرض في حالة إصابة تلك الأنعام به. ويوضح راعي الإبل عمر أحمد أنه لم يسمع من قبل بمصطلح «كورونا»، إضافة إلى أنه لا يعلم بإصابة إحدى حظائر «الإبل» في الخمرة بالفايروس، مضيفاً: «لا أعلم ما هو فايروس كورونا، وما هي أعراض الإصابة به، إلا أننا في السوق نعاني من الإهمال الشديد من عدم وجود الخدمات الأساسية مثل إنارة الكهرباء، ودورات للمياه». ويرى أن حركة التجارة في سوق الأنعام والمواشي بجدة باتت ضعيفة، نتيجة لبعد السوق عن المحافظة مسافة طويلة، وصعوبة الوصول إليها في ظل معاناة الطرق لخدمات السفلتة والإنارة، مشيراً إلى أن وجود مصنع الورق بالقرب من السوق أوجد أضراراً صحية عدة على الأنعام، إضافة إلى الملوثات الأخرى التي تحيط بالسوق. واتفق أحد المشترين من السوق سعيد العدواني مع ما قاله أحمد عمر في أن السوق تعاني من الإهمال في تقديم الخدمات، مؤكداً أن قلة الرقابة وسوء التنسيق بين الجهات الحكومية من أمانة جدة، وزارة الصحة، ووزارة الزراعة أوجد هذا الضرر المترتب على إهمال أعوام مضت. وأضاف: «لابد أن تصل المشاريع التطويرية إلى منطقة الخمرة، خصوصاً وأنها منطقة تجارية وصناعية، تحتوي على عدد كبير من المستودعات وتمد المحافظة بالمستلزمات التجارية كافة، من أغذية، ملابس، أثاث، إضافة إلى وجود سوق الأنعام والمواشي، فمن غير المنطق أن يكون الاهتمام بمنطقة معينة عوضاً عن الأخرى في المحافظة نفسها». وقال إن إصابة أحد الجمال بفايروس كورونا في منطقة الخمرة ليس بمستغرب، إذ إنها بيئة مهيأة للفيروسات والملوثات كافة، مشيراً إلى ظهور الكثير من الفايروسات هناك مثل أنفلونزا الطيور، الجدري، وحمى الضنك. فيما أشار أحد البائعين في السوق محمد النجار أن غياب المسؤولين عن السوق وعدم المتابعة والرقابة أدت إلى هذه المشكلات وسوء النظافة، إذ لا يوجد حاوية نفايات بالسوق، ومسجد للصلاة في السوق، مضيفاً: «إهمال النظافة في السوق يسبب أمراضاً للحيوانات، ويؤثر أيضاً على صحة المرتادين، فلماذا لا تنقل السوق إلى مكان أفضل وأنظف يعكس قيمة السوق وراحة مرتاديها». وطالب بضرورة وجود الفرق التفتيشية من وزارة الزراعة ووزارة الصحة للكشف المستمر على الأنعام والمواشي، موضحاً أن دور وزارة الزراعة اقتصر فقط على توفير الأدوية والمضادات للأنعام المريضة دون الرقابة والإشراف. وقال أحد مربي الماشية محمد القحطاني إن أحد أسباب انتشار الأمراض والفايروسات بين الأغنام هو زيادة الاستيراد من الدول الإفريقية، كالسودان والحبشة التي اعتبرها مليئة بالأمراض المعدية والخطرة، إضافة إلى انعدام الرقابة والفحص من وزارة الزراعة، مبيناً أن قلة المختبرات، وعدم توافر أراض زراعية وحظائر لتربية الماشية يعتبر إحدى الخدمات الناقصة التي يطالب بها مربو المواشي. وأضاف: «وزارة الزراعة متغيبة تماماً عن المشهد البيئي للأغنام والأنعام، إذ لا يوجد مكتب للوزارة في السوق لمراقبة الأنعام التي ترد إلى السوق وفحصها والتأكد من سلامتها، وذلك حتى لا تنتشر العدوى بين المواشي الأخرى، وعزلها عن الحيوانات الأخرى السليمة في السوق، إضافة إلى أنها لا تمنح اللقحات والأدوية إلا بعد تفشي المرض بين المواشي». وأفاد بأن الأمراض المعدية إذا تمكنت من الحيوانات لا يمكن للمربين علاجها، إذ إن الحل الوحيد هو مصارعة المرض عبر الأدوية أو الموت، مشيراً إلى انتشار مرض الطاعون في الفترة الحالية أثناء فصل الشتاء بين الأغنام، ما يجعل الطلب يزداد على وزارة الزراعة للحصول على الأدوية.