كان لهذه الزاوية السبق في الكتابة عن ارتفاع كلفة استقدام العاملات المنزليات عندنا في السعودية مقارنة بالأشقاء في الخليج. وتحدثت مقالتا «سعودي يحج من الكويت»، في 17 مايو، و«الأسعار في السعودية أغلى من الخليج»، في 7 يونيو، ثم «الاحتكارات تشوه السوق»، التي نشرت في 14 يونيو عن ظاهرة غلاء الاستقدام، وحملات الحج والعمرة، وأسعار الفنادق، وسعر طن الحديد، وكلفة دقيقة الاتصالات، وغيرها من السلع والخدمات الأخرى بفوارق كبيرة عندنا مقارنة بأسواق الخليج المجاورة. كما كتبت في مقالة «فساد القطاع الخاص» المنشورة في 9 أغسطس 2013، عن تنبه المجلس الاقتصادي الأعلى للمشكلة، ورفعه لمجلس الوزراء الذي أقر في جلسته في 7 رمضان الماضي عدداً من التوجيهات، من بينها «تعزيز جهود الأجهزة الحكومية في مجال الرقابة والإشراف على أسعار السلع والخدمات، وتوفير بيئة المنافسة السليمة، ومنع أية مغالاة في الأسعار تؤدي إلى ارتفاع الهوامش الربحية للتجار والمنتجين، ومنع أية ممارسة احتكارية في سوق السلع والخدمات» كما أشارت المقالة الأخيرة إلى موافقة مجلس الوزراء في جلسته في 14 رمضان أيضاً على مشروع نظام المنافسة «المعدل»، ومشروع استراتيجية تعزيز المنافسة في المملكة، وأهم ما جاء في مهماته «مراقبة السوق لضمان تطبيق قواعد المنافسة العادلة»، و«اتخاذ إجراءات التقصي والبحث وجمع الاستدلالات للكشف عن الممارسات المخلة بقواعد المنافسة، سواء أكان ذلك بناءً على شكوى أم بمبادرة من المجلس». وكنت أعتقد حقيقة أن صدور قرار مجلس الوزراء قد أنهى الموضوع، وأن الجهات المعنية بدأت فعلياً القيام بواجبها في تصحيح الوضع. إلا أن موضوعين نشرتهما الصحافة الاقتصادية هذا الأسبوع كشفا أن لا شيء تم بالفعل لتنفيذ قرارات مجلس الوزراء، على رغم مضي أربعة أشهر تقريباً على صدورهما. وأن المواطن السعودي مازال ضحية جشع واستغلال التجار والوكلاء من بني جلدته للأسف. الموضوع الأول، تحقيق نشرته «الحياة»، عنوانه «سعوديون يلجأون إلى دول الخليج لاستقدام عاملات منزليات»، أوضح أن هناك هروباً سعودياً من غلاء كلفة الاستقدام عندنا بالاستقدام من طريق مكاتب خليجية. وذكر التحقيق، الذي أعدته الزميلة منيرة الهديب، لجوء سكان أهالي الخفجي إلى الاستقدام من الكويت، وتفضيل سكان الأحساء الاستقدام من طريق قطر، فيما يستقدم سكان الدمام والخبر والقطيف من مملكة البحرين أو الإمارات. الموضوع الآخر، تقرير نشرته «الاقتصادية» الأحد الماضي، وهو تقرير تم تداوله على نحو واسع. وقارن بين كلفة استقدام السائق الخاص والعاملة المنزلية في السعودية مع نظيراتها في دول الخليج الأخرى. وذكر التقرير أن كلفة استقدام السائق الخاص عندنا تبلغ 9 آلاف ريال، في مقابل ألفي ريال فقط في الكويتوقطر، و6 آلاف في الإمارات، و8 آلاف في البحرين. في حيت يكلف استقدام العاملة المنزلية عندنا 17 ألف ريال سعودي عداً ونقداً، في حين تبلغ الكلفة في قطر 7 آلاف ريال، و7500 ريال في البحرين، و8600 في الإمارات، وأدنى قليلاً من 10 آلاف في الكويت. وهو ما يعني أن المواطن عندنا يدفع 5 آلاف ريال إضافية مقارنة بمتوسط كلفة استقدام السائق الخاص في دول الخليج الأربع التي ذكرها التقرير، ويدفع نحو 9 آلاف ريال زيادة عن متوسط ما يدفعه الأشقاء في الخليج. وهي أرقام ضخمة وكبيرة جداً، ولا يمكن أن نعزوها إلا لجشع تجارنا واحتكار سوقنا من مجموعة صغيرة من الوكلاء الذين لم يجدوا من يردعهم على رغم صدور قرارات صريحة من مجلس الوزراء توجب ردعهم وردهم إلى المنطق والمعقول. وأختم برسالة إلى وزير التجارة رئيس مجلس المنافسة، ونظيره وزير العمل عن سبب صمتكما عما يتعرض له المواطن من فحش وغلاء، على رغم أن النظام يعطيكما الحق للتدخل ومنع هذا الغبن والجشع. وإن كانت حاجة المواطن أباحت جيبه مرغماً لهؤلاء التجار والمحتكرين، إلا أنه حان وقت تدخلكما لكبح تشوه السوق وحماية المواطن، فالأمر لم يعد يحتمل. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية.