تشدك بعض المشاهد لدرجة لا تصدق، تريد لحظتها أن تغمض عينيك ولا تفتحها إلا على خاتمة مفرحة لا تلك الخاتمة التي يستدعيها لك الدماغ مع بداية المشاهدة، الشجاعة فعل غاية في الإبهار، وأبواب الشجاعة متنوعة، لكنها متباينة الدرجات والتضحيات، ولك أن تتخيل شباباً يرون الموت أمامهم وهو يقترب من شخص آخر، فيتجهون للموت والشخص في توقيت ولحظات لا يجرؤ كثير منا على أداء دور البطولة فيها، بل إن غاية ما يمكن فعله هي الدعوات والتوثيق، وأنا أعتبر من وثق المشهد ذا حسنة كبرى في تقديم هؤلاء الشبان الثلاثة، وتصوير الفعل البطولي الذي قدموه. في عقبة الجنوب الأشهر «ضلع» تلك التي عاشت ربع قرن تحت نيران التنفيذ يعبث السيل بالأودية، وفي غمضة عين قد يمحو من الوجود أي مغامر لمواجهته أو مستهتر بقوته ونفوذه، ولكن القدر يرمي بعض الجاهلين بالمكان وتاريخ السيول فيه إلى أسوأ لحظات حياتهم. في المشهد الرهيب مقيم سوري وجد نفسه فجأة في مواجهة سيل لم يتوقف ولا أمل بهدوئه في زمن قريب، الموت يقترب منه أكثر وأكثر، ولو علم أن لقمة عيشه ستضعه في ورطة ووحشة هذا المكان وفي كارثية المواجهة، لرضي بربعها في أي مكان آخر بالعالم، وفي اللحظات التي يختل فيها التفكير ويقل عدد الشجعان، يخرج من يحرص على الموت لا ليهب الحياة لنفسه قدر ما يعيد الحياة لمن هو أقرب ما يمكن للموت. الشبان الثلاثة «عيسى حوبان الربعي، علي محمد الربعي، عائض ناصر الربعي» رسموا صورة فاخرة جداً للمواطن السعودي البطل، وجدوا بغير تعمد في مقطع إنساني قبل كل شيء، مقطع الإنقاذ المنتشر في وسائل التواصل يستحقون من أجله تكريماً رسمياً، ويستحقون أن نقول لهم شكراً لأنهم أشجع منا وقلوبهم عظيمة بالفعل، وتقول المعلومات التي تتوافر بين يدي الآن أن أحدهم لا يزال عاطلاً، وأظن أن أجمل ما سيقدم له أن يكون من أفراد وطاقم الدفاع المدني وليس ذلك صعباً، فقد يفتح له الله بهذا الفعل العظيم ولصديقيه الشجاعين باب رزق «فمن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً». كتبت عنهم لأن المواقف الإنسانية تأسرني، تستوقفني، وتعكس صورة مضيئة لشباب دائماً نقسو عليهم وهم أقرب لكل حضور نبيل، رجال المواقف لا يكافأون بالنسيان أو التجاهل، حقهم أن يبرزوا ويعرفوا ولكل من لم يشاهد المقطع ليكتب فقط (شجاعة شباب تهامة ضلع تنقذ شخصاً من الهلاك)، واحكموا بعدها ألا يستحق هؤلاء أن نحتضنهم ونبارك لأنفسنا بهم وندعم عاطلهم بوظيفة، وموظفهم بتشجيع رمزي، وقبل المغادرة أصرخ عن حب وخوف ولئلا يُعْتَقَد أن المغامرة محمودة العواقب: «ليست كل نخوة عربية أو شجاعة وطنية مندفعة مانحة لحياة فكثير من هذه المبادرات ذهبت بشجعان للموت وقدمتهم ضحايا لفواجع السيول». [email protected] @alialqassmi