عندما رحل مطرب المطربين - كما أسماه موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب - وديع الصافي البارحة الأولى في بيروت، كان قد حان أجله قبل تكريم سعودي كبير له في دبي إلى جانب الشحرورة صباح وفاة فنان الأجيال وديع الصافي في دبي في «31 ديسمبر 2013» أي بعد شهرين ونصف تقريبا من اليوم، ذلك أن الترتيبات الأولية كانت قد بدأت لحفل تكريم كبير لهما في دبي بحضور الكثير من نجوم الموسيقى والغناء العربي حيث كان من المرتب أن يشدو كبار المغنين العرب اليوم وبعض ممن تبقى من نجوم الأمس العظام بأعماله وأعمال صباح بحضورهما، بعد أن اعتمد رجل الأعمال السعودي المقيم في سويسرا إبراهيم دشيشة إقامة هذا الحفل الكبير، الأشبه بمهرجان هما أهل له بلا شك، إلا أن يد المنايا كانت أسبق، لم يكن هذا التكريم المنتظر للراحل وديع الصافي هو الأميز في حياته (95 عاما) ومشواره الطويل مع الفن والذي استحق فيه الكثير من التكريم والألقاب منها في عام 1989، حيث أقيم له حفل تكريم في المعهد العربي في باريس بمناسبة اليوبيل الذهبي لانطلاقته وعطاءاته الفنية حيث كان من أبرز ما كرم به الصافي حصوله على 3 ثلاث جنسيات «المصرية والفرنسية والبرازيلية»، إلى جانب جنسيته اللبنانية، إلا أنه ظل يفتخر بلبنانيته ويردد أن الأيام علمته بأن ما أعز من الولد إلا البلد. وظل يغني أكثر أعماله من ألحانه ومن تراث لبنان: الله يرضى عليك يا ابني، أنا وهالبير، عرزالنا، بالساحة اتلاقينا بالساحة عليها جوز عيون شو قتالة - التي شدت بها صباح من بعده -، قالت بتروحلك مشوار قلتلها ياليت، والتي شدا بها الكويتي الراحل غريد الشاطئ كانت سببا في انتشاره «الأخير» عربيا ولم يغن من ألحان غيره إلا القليل منها ذلك اللحن الشهير «عندك بحرية يا ريس.. والبحر كويس يا ريس» من موسيقار الأجيال الراحل محمد عبدالوهاب، وعمله الأكثر شهرة وانتشارا من فريد الأطرش «على الله تعود وعلى الله.. يا ضايع في ديار الله»، وأغنيته التي اعتبرها كثير من المطربين العرب ومنهم عبادي الجوهر - حيث رددها كثيرا في مطلع حياته الفنية - فنارا لهم من ألحان رياض البندك «يا عيني ع الصبر». وبذا نعرف أنها قليلة جدا أغنياته من ألحان غيره. وكان وديع الصافي أعلن العام الماضي عن أمنيته ألا يموت مريضا على سريره، بل يموت وهو واقف على قدميه وسط محبيه من جمهوره. وخضع وديع فرنسيس الشهير بوديع الصافي، لعملية القلب المفتوح عام 1990م، لكنه استمر بعدها في عطائه الفني بالتلحين والغناء، وعلى أبواب الثمانين من عمره، لبى رغبة المنتج اللبناني ميشال الفترياديس لإحياء حفلات غنائية في لبنان وخارجه، مع المغني خوسيه فرنانديز وكذلك المطربة حنين، فحصد نجاحا منقطع النظير أعاد وهج الشهرة إلى مشواره الطويل. و«عكاظ» كانت على علاقة أكثر من جيدة مع الراحل منذ جاء إلى جدة بدعوة من وزير الإعلام السعودي في العام 1970 حملها إليه الإعلامي المخضرم الدكتور محمد أحمد الصبيحي ليشارك في برنامج مسرح التلفزيون الشهير في تلفزيون المملكة، كما حل ضيفا على «عكاظ» عندما كان يشرف على فنون «عكاظ» الزميل الأستاذ أحمد صالح هاشم. «عكاظ» تواصلت مع ابنه «انطوان» فور وفاة والده وقامت بتقديم العزاء لآل الصافي ولابنه جورج الذي سكن الصافي عنده آخر سني عمره في الجبل شمال شرق بيروت، حيث كان لقاؤنا الأخير معه في مرضه قبل الأخير، عندما تحدث إلينا عن كثير من شؤون وشجون الفن لديه وعلاقته مع الأغنية السعودية حيث قال: نعم لقد كانت لي أغنية من أجمل أعمالي التي أعتز بها بالفصحى ومن ألحاني «فك الإسار» من أشعار الدكتور الشاعر عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة، أما في بداية السبعينيات الميلادية عندما جئت للمشاركة في مسرح التلفزيون فكنت قد شدوت بلحن لعمر كدرس «ما شفت أنا أبهى من طلتك يا أبها.. منظر يسر العين يخلي العمر عمرين» من كلمات مسلم البرازي، وأغنية «سلمك الله يا أبو عبدالله» عن الملك فيصل رحمه الله. وقبل ذلك في الستينيات كنت قد شدوت بألحان سعودية لزملاء كبار أيضا في رحلة محمد أحمد صبيحي ممثلا للإعلام السعودي في ستوديوهات بيروت من أغنية للعميد الصديق طارق عبدالحكيم من أشعار عنترة بن شداد وأغنية فرح أيضا من كلمات إبراهيم خفاجي «يا ليلنا بالفرح». وهناك لحنان من ألحان الموسيقار الصديق غازي علي وهي «يا نسيم ياللي رايح» من أشعار أحمد صادق، و«يا ليالينا الجميلة» من كلماته وألحانه. ولوديع الصافي الذي ولد عام 1921م، دور رائد في ترسيخ قواعد الغناء اللبناني وفنه، وفي نشر الأغنية اللبنانية في أكثر من بلد، ويعد صاحب مدرسة في الغناء والتلحين ومن عمالقة الطرب في لنبان والعالم العربي، واقترن اسمه بلبنان، وبجباله التي لم يقارعها سوى صوته الذي صور شموخها وعنفوانها، ولم يغب يوما عن برامج المسابقات التلفزيونية الغنائية قلبا وقالبا فوقف يشجع المواهب الجديدة التي رافقته وهو يغني أشهر أغانيه.