قرر عمر المتزوج حديثاً أن يكمل دراسته العليا في أعرق وأشهر الجامعات الأميركية، كانت فرحته لا توصف عندما تم قبوله في تلك الجامعة العريقة، واستكمالاً لإجراءات السفر لابد له من الخطوة الروتينية وهي الحصول على التأشيرة. سلم جوازه وجواز زوجته للسفارة الأميركية بعد أن قاما بتعبئة الأوراق كاملة مرفقة بالصور النظامية من حيث المقاس المطلوب والخلفية البيضاء وأذان ظاهرة، وملامح الوجه حيادية غير مصطنعة..إلخ. كان عمر دقيقاً مع نفسه وزوجته، وحريصاً كل الحرص في ألاّ تتعرقل التأشيرة. لم يكن متخوفاً من عدم حصوله عليها لأنه كان زار أميركا ثلاث مرات قبل زواجه، إضافة إلى أنه شخص محايد لا مشكلات سياسية، ولا أراء متطرفة لديه، فهو كان كما يقول عنه والده «يباري الساس». بينما يرى نفسه منفتحاً ومنطلقاً ومحباً للحياة وطلب العلم. طموحه الحصول على شهادة عليا من جامعة مرموقة، ربما ليكون بمنأى عن قائمة «هلكوني التويترية»! وكسباً للوقت، نظّم عمر لقاءات مع أصدقائه لتوديعهم، كما بدأ هو وزوجته بحزم أمتعتهم وما قد يحتاجون إليه هناك من قهوة عربية وتمر وطحين بر لوصفة الحنيني التي يحبها في فصل الشتاء! وفي انتظار التأشيرة جعل زوجته تشاركه حلمه، وأخبرها أن هذه الجامعة ستدعوهم كل نصف عقد هو وزوجته لحضور حفلتهم، وأنها ستكون زوجة رجل يحمل شهادة عليا من أرقى وأعرق جامعات العالم! طارت الزوجة بأجنحة زوجها إلى العلو، واستشعرت زهواً أمام صديقاتها وشقيقاتها ومعلماتها اللاتي لازلن ينتظرن زوجاً حتى لو كان نصف متعلم. حانت لحظة تسلم الجوازات من السفارة، فكانت الأسابيع القليلة التي مرت كأنها شهور بالنسبة لعمر، وكانت المفاجأة التي لم تكن على البال ولا على الخاطر عندما رُفض طلبه بمنحه تأشيرة دخول إلى بوابة حلمه ماساتشوستس رفضاً قاطعاً. دارت الأرض بعمر وتداعت المبررات الممكنة لهذا الرفض من مثل: هل هو تشابه أسماء.. غلط في رقم الجواز.. نكتة.. أم كابوس؟ لقد انهار حلم التحاقه بالجامعة، وتهاوى على أقرب مقعد وهو يقرأ السبب لذلك الرفض: «الزواج من قاصر». هو يعرف أن زوجته الجميلة والصغيرة لم تبلغ ال17، كان عمرها 16عاماً وثمانية أشهر بالضبط. وكانت أجمل قريباته. تزوجها بعد أن أقنعته والدته بأنها صغيرة وبإمكانه أن يربيها على مزاجه! عمر ليس حالاً فردية أو شاذة في مجتمعنا، كما لن يكون الأخير الذي يتزوج من قاصر بحسب القانون الدولي، ولكن المؤسف في قصة عمر أن حلمه الكبير تهاوى بسبب فكرته عن الزوجة التي يربيها على مزاجه! وعلى رغم طموحه التعليمي الكبير إلا أنه فاته سن زوجته القانوني الذي لا يخولها الحصول على بطاقة هوية شخصية أو فتح حساب في المصرف، أو الحصول على رخصة قيادة، أو حتى الدخول معه أحياناً لصالة السينما، فلربما صادفت موظفاً نزيهاً يطلب منها أن تبرز هويتها ليتأكد من سنها إذا كانت الأفلام مخصصة لمن هم فوق سن ال18. سبق وأن حددت وزارة العدل توصياتها في شأن إقرار الآلية المناسبة لزواج الفتيات على أن تكون في سن ال16 فما فوق. وتبنت الوزارة تلك الرؤية للحد من تزويج صغيرات السن وليس القاصرات كما نوّه المتحدث الرسمي للوزارة فهد البكران. لكن المعضلة التي واجهها عمر ليست محلية، وإنما تخضع لقانون غير قانون بلده، لذا أجدني متعاطفة ومشفقة عليه، إذ إن أحلامه الكبيرة لا تتوافق مع رؤيته الاجتماعية الضيقة بالنسبة لشريكة حياته التي سينتظر إلى أن «تكبر»، ليقدم طلب الدراسة مرة أخرى في جامعة عريقة أخرى، وفي بلد آخر! [email protected] abeerfoz@