بعيداً من اهتمامات الإعلام وحتى عن الساحة الحزبية، انتخبَ حزب «العمل» الإسرائيلي المعارض النائب اسحق هرتسوغ زعيماً جديداً له، مطيحاً بزعيمته شيلي يحيموفتش التي تبوأت المنصب لعامين فقط. ولم يشارك في عملية التصويت أكثر من 53 في المئة من أصحاب حق الاقتراع الذين خُيّروا بين يحيموفتش القادمة من طبقة الشعب لكن سليطة اللسان، وابن النخبة اسحق هرتسوغ «لطيف المعشر»، كما يصفه معارفه (نجل رئيس الدولة السابق يعقوب هرتسوغ). وجاء فوز هرتسوغ الذي أشغل في الماضي منصب وزير الرفاه الاجتماعي، مفاجئاً بعض الشيء، إذ توقعت الاستطلاعات فوز يحيموفتش بسهولة. ورأى معلقون أنها خسرت الانتخابات أكثر مما فاز هرتسوغ بها، مضيفين انها دفعت ثمن عجرفتها على النخبة، فضلاً عن تخليها عن الأجندة السياسية التي طالما اعتبرها الحزب في مركز اهتماماته. ويعاني حزب «العمل» منذ مطلع الألفية الحالية وهْناً خلّفه زعيم الحزب رئيس الحكومة السابق ايهود باراك عندما هُزم أمام آريئل شارون مطلع عام 2001 بعد عشرين شهراً فقط على رئاسته الحكومة، وانحسر تمثيل الحزب في 13 مقعداً. ومذاك الوقت، تزعمت الحزب ست شخصيات لم تنجح في التحليق به وإعادته إلى صدارة الأحزاب في إسرائيل، وهو (بمسمياته المختلفة) الذي قاد الحكومات الإسرائيلية الدولة العبرية لنحو أربعة عقود. واتُهم باراك بأنه ترك الحزب شظايا صعُب على خلفائه إحياؤها، فبات الحزب غير ذي شأن كبير في الساحة الحزبية في ظل اتساع نفوذ اليمين وصعود أحزاب جديدة مثل «يش عتيد» بقيادة يئير لبيد الذي أزاح بحزب «العمل» حتى عن المركز الثاني بين كبرى الأحزاب وترك له مهمة قيادة أحزاب المعارضة. وكان «العمل» بقيادة يحيموفتش فشل في تحصيل أكثر من 15 مقعداً في الانتخابات الأخيرة مطلع العام بعد أن بدأ المعركة الانتخابية مع استطلاعات تشير إلى احتمال حصوله على 22-24 مقعداً. ورأى مراقبون أن يحيموفتش دفعت في الانتخابات لزعامة الحزب ثمن تأتأتها في الحملة الانتخابية عندما تخلت عن الأجندة السياسية التي طالما ميزت حزبها، وهي أجندة يعتبرها الإسرائيليون وسطية إذ تدعو إلى حل سلمي للصراع مع الفلسطينيين. وأعلنت يحيموفتش مع بدء الحملة الانتخابية أن الأجندة الاجتماعية – الاقتصادية وليس السياسية هي القضية الأولى التي سيعالجها حزبها. وانتقدها أقطاب في الحزب على تخليها عن قيادة «معسكر السلام»، لكنها بقيت على موقفها إلى أن بيّنت الاستطلاعات أن تغييب الصراع عن المعركة الانتخابية يكلفها خسارة مقاعد كثيرة، فحاولت استدراك الموقف، لكن ذلك جاء متأخراً ولم تنجح في الحصول على أكثر من 15 مقعداً. وكتب أحد المعلقين أمس أن «خسارة يحيموفتش زعامة الحزب حصلت عملياً «في ذلك اليوم المشؤوم الذي قررت فيه أن تدير ظهرها إلى الفلسطينيين، سواء في إسرائيل أو في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهكذا واصلت مساهمتها في الفصل الخاطئ بين الموضوعين السياسي والاجتماعي». وأضاف أن يحيموفتش دفعت أيضاً ثمن «شخصيتها الصعبة ولسانها السامّ». وترك انتخاب هرتسوغ السؤال مفتوحاً في شأن وجهة الحزب، وما إذا كان سينضم إلى الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتانياهو. وأعربت زعيمة الحزب اليساري «ميرتس» زهافه غالؤون عن أملها في ألا يقلّد هرتسوغ الزعيم السابق للحزب، ويدخل حكومة نتانياهو، «فيُفقِد خيار العودة إلى الحكم وخيار الحفاظ على القيم بعيداً من الفساد» الذي يميز زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان والمحور المعادي للأقليات المتمثل بزعيمي «يش عتيد» و «البيت اليهودي» يئير لبييد ونفتالي بينيت. من جانبها، تمنت وزيرة القضاء تسيبي ليفني على هرتسوغ أن يدعم جهودها في المفاوضات مع الفلسطينيين للتوصل إلى حل. ونقل الموقع الإلكتروني ل «معاريف» عن ليفني قولها إنه بات على حزب «العمل» الآن بعد الانتهاء من انتخاباته الداخلية، «العمل على الانضمام إلى الحكومة من أجل التأثير في إحداث التغيير المطلوب لمستقبلنا جميعاً لأن العملية السلمية تحتاج إلى تأييد حقيقي وليس مجرد تأييد مع وقف التنفيذ». وحظي هرتسوغ بترحيب كبير من أحزاب يمينية أخرى تجاوز تقديم التهاني له بالفوز، إلى دعوته للتعاون والانضمام للحكومة الحالية. كما تلقى التهاني والتأييد من زعماء أحزاب «الحرديم»، مثل حزب «ديغل هتورة»، وزعيم حزب «البيت اليهودي» نفتالي بينيت الذي تمنى أن يعود التعاون التاريحي الذي ساد بين حزبي «العمل» و «المفدال» لمصلحة إسرائيل شعباً ودولة. يذكر أن هرتسوغ لم يرفض يوماً المشاركة في حكومة واحدة مع «ليكود» خلافاً ليحيموفيتش التي رفضت بعد الانتخابات الحالية الانضمام للائتلاف الحكومي برئاسة نتانياهو. ويعتقد مراقبون أن فوز هرتسوغ في انتخابات رئاسة العمل من شأنه أن يساهم مستقبلاً في انضمام حزب العمل لحكومة نتانياهو في حال اندلعت أزمة مع حزب «البيت اليهودي» على خلفية عملية السلام مع الفلسطينيين ومسألة وقف البناء في المستوطنات في الضفة الغربية. وكتب هرتسوغ على صفحته في «فايسبوك» إن انتخابه يشكل بداية طريق، و «نحن نبدأ اليوم الحملة الحقيقية للتغيير الحقيقي لوجه الدولة ... ثمة عمل كبير ينتظرنا».